مازالت الافكار الاسلامية تعاني من تأخر كبير بالقياس إلى الدراسات الإنسانية، وهذا التأخر يعكس التفاوت التاريخي بين المجتمعات الإسلامية والمجتمعات الغربية، فالاسلام القائم على النقل لايزال يلعب دور المرجعية العليا المطلقة في المجتمعات العربية ،ولم يسمح النقل للعقل بالقيام بدوره المرجعي، لذلك فالذين يحتكمون للنقل يعتبرون الحضارة الغربية إنما هي جاهلية ووثنية ومن يدعو إليها فهو خارج من الإسلام! وقد أضحى الإسلام السماعي هو المرجعية المطلقة التي تحدد للناس ماهو الصحيح وماهو الخطأ، ماهو الحق وماهو الباطل، ولذلك نرى دائماً ردود الرفض والغضب تتعزز تجاه الدعوة إلى تحرير السياسة من الدين،هذه الردود غير المبررة إنما تأتي في إطار الخوف والهلع من كشف هشاشة دعاة الإسلام النقلي وفضح تخلفهم مقابل التقدم الذي حققه النموذج العقلاني وخاصة لدى تلك المجتمعات التي فصلت ماهو سياسي عماهو ديني. فمازال دعاة النقل قلقين من الدعوة إلى تحرير العقل من الاكراهات القسرية للتحجر المنغلق من أجل خدمة المعرفة لذاتها وبذاتها، وأي تقدم لن يكون ممكناً مالم يحصل فصل جذري بين الدين والدولة أو بين العقل المعرفي والعقل النقلي، فالعقل في السياق الإسلامي تراكمت عليه الاكراهات القسرية وتضاعفت وقد خلق هذا العقل بالذات هذه الاكراهات لنفسه عندما اعتبر أن الحقيقة مطلقة وليست نسبية. وها نحن نرى المسلمين اليوم يتصرفون كما تصرف المسيحيون في أوروبا في بداية عصر النهضة،فقد قام المسيحيون بردود فعل سلبية ضد الحداثة وضد فصل الدين عن الدولة، لكنهم استسلموا بعد ذلك للعلم مما جنبهم المواجهة والحروب المستمرة، فنحن لانجد في أي دولة أوروبية مشاكل داخلية ولاحروب أهلية،لكننا نجد تلك الحروب في كل بقعة يوجد بها الإسلام، هذا الصراع ينتج عن المواجهة بين العقل العلمي وبين العقل الديني المهزوم فكرياً والمقلص إلى حالة دفاعية. إن الاسلاميين المتمسكين بفكرة الدمج بين الدين والدولة يرفضون الاهتمام بالمحاجة اللاهوتية ويرفضون البحث العلمي التحرري الاستكشافي الهادف إلى تشكيل المعرفة التاريخية التي تستوعب كل منتوجات العقل. ونحن هنا ندعو إلى دراسة العلاقات التفاعلية المتبادلة بين العقل الديني والعقل العلمي. إننا أمام ثقافة شفاهية سماعية مغرقة في التزامها بحرفية النص وهذا يفسر لنا سبب انتصار القراءات الحرفية للقرآن وانتشارها لدى قطاع واسع من الناس، فهناك اهمال كبير للدراسات البنيوية والسيميائية والدلالية التي تتوقف أمام أدبية النص، فالقرآن يمزج دائماً وبشكل حميمي بين قيمة الحق، والخير،والجمال ،لكن للأسف فإن دعاة أن الإسلام دين ودولة ظلوا مغلقين على أنفسهم داخل السياج الدوغمائي، نحن بحاجة إلى علماء يتجرأون على فتح مسألة صحة الاحاديث النبوية أو عدم صحتها فنحن أمام جماعات تستخدم الدين لتحقيق مصالحها تحتمي دوماً بأحاديث وحكايات حتى تستطيع البقاء والحفاظ على سلطتها . هذه الجماعات تخشى من كل تدخل نقدي، لذلك فهي تبادر إلى الرفض وتستخدم ترسانة كاملة من الاكراهات والمقولات الشكلانية التي تحافظ على تجييش العامة وتعبئتهم عند الحاجة. إن هذه الجماعات لاتفرق بين نوعين من النصوص التي بين بديها: النص التأسيسي الأول المتمثل بالقرآن والذي أضيف إليه الحديث لاحقاً وأصبح في مرتبته، والنص التفسيري الشارح للقرآن والحديث، وهنا حدث خلط بين النص الأول والنص الشارح له ، بين النص الإلهي والنص البشري وهذا الخلط فرض علينا الكثير من أنواع البتر والردع والمحرمات إلى حد أنه أصابنا بالشلل المعرفي والفكري. ولكي نخرج من هذا الانغلاق الفكري لابد أن ندفع في اتجاه إيجاد طريقة جديدة في قراءة القرآن ، قراءة تحررنا من الانغلاق وتخلق منا ذواتاً حرة.. قراءة يجد فيها كل إنسان نفسه سواء أكان هذا الانسان مسلماً أم غير مسلم ،قراءة حرة تجعل النفس، تربط بين الأفكار والتصورات. إنني مع هذه القراءة الجديدة التي تجعلنا نخرج كليا ونهائيا من كل الأفكار المريضة والمتخلفة والمليئة بالقيح والمخلفات الكريهة . إنني أحلم بقراءة حرة تخلصنا من الهلوسة،فالقرآن له معانٍ متعددة.