وضع (ابن مسكويه) الذي عاش في أواخر القرن الرابع الهجري ومطلع الخامس (325 421) كتاباً بعنوان (تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق) قام فيه بتأسيس علم نفس إسلامي من أجل الوصول إلى الإنسان الكامل. ونفس الشيء فعله (عبد الرحمن بدوي) الفيلسوف المصري صاحب أضخم موسوعة فلسفية عربية بتسعين كتاباً حين وضع كتاب (الإنسان الكامل في الإسلام). ولكن روبرت غراهام حاول في أمريكا استنبات العبقرية من مدخل بيولوجي فأسس بنك (مني العباقرة) وهو خطوة بين مشروع اليوجينيا القديم والاستنساخ الذي نجح فيه الاسكتلندي إيان ويلموت عام 1997م. وتربية الإنسان هي من أعقد واشق الأمور ولكن إذا نجحنا فيها ارتحنا كثيراً فخرج إنسان عاقل ولم يخرج مريض نفسي أو طاغية. ومدخل الإنسان للرقي أربع أولاً: الجينات التي يأخذها الإنسان من والديه، ولم تأتٍ الرسالة لنبي مصاب بعاهة فوجب أن يكون من الناحية الجسدية في أحسن حال، والله تكلم عن (طالوت) أنه آتاه بسطة من العلم والجسم. وثانياً: المناخ الاجتماعي والوسط البيئي الذي ينبت فيه طبقاً عن طبق. فالمناخات الحارة أو الجبلية المرتفعة حيث ينقص الأكسجين أو شديدة البرودة القطبية كلها مناخات ساحقة غامرة تعطل الملكات الإنسانية. ويضاف إلى العنصر الجيني البيولوجي والمناخي الاجتماعي وأثر الغذاء فكلها عناصر تتدخل في إنتاج العبقرية. والأمريكي روبرت غراهام الذي عرضت قناة الديسكفري تجربته أسس معهدا في كاليفورنيا وكان يتصل بالعظماء والنوابغ وحاملي جائزة نوبل والأكاديميين غير العاديين بالإضافة إلى المهندسين المبدعين يطلب منهم عينة مني لتلقيح امرأة ترغب في ذلك لسبب أو آخر. وممن أخذ المني منهم المهندس الذي صمم مشروع حرب النجوم لريجان الرئيس الأمريكي الأسبق. ومنهم واحد من حملة جائزة نوبل ومنهم من كان الناجح في تجارته ذات البنية الرياضية المتفوقة طويل القامة رشيق القد وسيم الشكل. فكل هؤلاء الناس حاول الدكتور غراهام أن يحصل على المني منهم ثم يحفظه مبردا في الآزوت السائل 160 تحت الصفر وإعطائه للنساء اللواتي لا يحملن من أزواجهن وبرغبتهن الخاصة. وهو أمر له مشاكله الأخلاقية والقانونية والنفسية وهو ما شاهدناه في برنامج الديسكفري حيث بدأ البحث عن والد الطفل الذي استخدمت حيواناته المنوية في التلقيح. ونظرية الدكتور روبرت غراهام تقوم على أن العبقرية أساسها بيولوجي ويمكن إذا أخذنا الحيوان المنوي من المبرزين العباقرة الذين كان مقياس الذكاء عندهم فوق 140 أن ينشروا بذورهم لإيجاد سلالة متفوقة. والعلم حتى اليوم لا يستطيع أن يراهن تماماً على سبب العبقرية أو كيفية صناعتها على وجه اليقين. وهناك بالطبع من يدعي إن هذا بالإمكان ولكن الإنسان كائن في غاية التعقيد وكل من يراهن على عنصر دون آخر يغامر بحماقة. والتاريخ أظهر خروج أناس عباقرة من ظهور أناس عاديين كما في آينشتاين فأبواه كانا من عامة الناس. والعكس بالعكس فقد خرج من سلالة العباقرة أناس عاديون. وكل إنسان هو كون قائم بذاته وكل منا هو عبقري بدرجة واتجاه ولكن يحتاج هذا للكشف عنه حسب اهتمامات كل إنسان والعبقرية تتولد من الاهتمام والمتابعة. وفي بحث علمي قالوا إن العبقرية هي التراكم المعرفي من وحدات معرفية اسمها (شانك) تبلغ مائة ألف وتتراكم في مدى عشر سنوات. وابن مسكويه بحث الموضوع من جانبه التربوي أن كل إنسان هو قطعة من الألماس تحتاج إلى صقل. وتكلم عن تعريف النفس وقوى النفس والفضائل الثلاث العفة والشجاعة والحكمة التي هي حاصل ما ينتهي إليها الأخلاق. وتكلم في الفصل الثاني عن صناعة الأخلاق ودستور تهذيب الأطفال وغاية الكمال والسعادة التامة. ثم تكلم في الفصل الثالث عن الفرق بين الخير والسعادة ثم عن أعمال الإنسان وأسباب المضرات ومنازل المتعبدين ليختم كتابه في إشراق النفس وأنواع المحبة ومعالجة الأمراض النفسية وفي المقالة الأخيرة السابعة تكلم عن الطب النفساني وعالج فيها مجموعة من الأمراض مثل: التهور والجبن والعجب والافتخار والمزاح والتيه والغدر والضيم والغضب والخوف وأنواعه ثم خوف الموت وعلاج الحزن. وبهذه الباقة السباعية من المقالات كان ابن مسكويه مؤسساً لعلم النفس الأخلاقي. والدكتور غراهام الذي مات عام 1997م وأغلق معهده من بعده وأثبتت تجاربه على حوالي 200 شخص أن من جاءوا من مني المميزين لم يختلفوا كثيراً عمن حولهم. ولكن أمريكا أم العجائب وحتى اليوم فقد تم تلقيح وإنجاب 60 ألف طفل من هذا النوع في مخابر غير التي أسسها غراهام والطلب يشتد يومياً خاصة على الأكاديميين الذين يحملون شهادة الدكتوراه. والذكاء ذكاءان: العقلي وهو ما تعرفه مدارس علم النفس التقليدية وهو قسم من ذكاء الإنسان، وهناك الذكاء العاطفي الذي تحدث عنه دانييل غولمان في كتابه الذكاء العاطفي وهو بحر لم يسبح فيه العلم بعد.