ليس كا مايتمناه المرء يدركه, ولكن أغلب مايتمناه المرء يدركه أيضاً !!! لم أجد إلا هذا التشبيه والمقاربة العملية واللغوية والأدبية, فقد كانت مبادرة أدبية وثقافية رائعة, تلك التي خرجت بها صحيفتنا الغراء “صحيفة الجمهورية” في رمضان الماضي؛ بإقران عددها اليومي بملاحق متميزة بملف هو عبارة عن كتاب مطبوع على شكل جريدة رأيت ومن وجهة نظري أنها اختارت كتباً رائعة, تعتبر من أمهات الكتب وعصارة ماكتبه اليمنيون ك: “محمد محمود الزبيري والبرودني”.. وماكتبه علماء الدين والعلوم والآداب من المسلمين, وماكتبه عن الإسلام مفكرون عالميون, نحن بحاجة ماسة لنعرف ماكُتب ويكتب عن الإسلام والحضارة الإسلامية وتواصلها مع حضارات شعوب العالم. وماضجت به الحضارة العالمية من كتابات وفلسفات وثقافات يمكن أن تتزود مكتبة كل قارئ بها. “المطبوعة” على شكل ورقي آخر كان مثقفو زمان قبل “20-30” يغلفون بل يجلدون تلك الكتب ويخصصون لها رفاً أو يشترون مكتبة لحفظها. لقد أفاضت علينا “الجمهورية” ضياءً ثقافياً وزاداً قرائياً في وقت قلَّ فيه نمط الثقافة والتثقف بالكتاب, وعند المقارنة بين قارئنا والقارئ الغربي إلى الياباني والكوري, فإننا ابتعدنا وفضلنا شكلاً آخر في الغالب, ليس تثقفاً, بل هو متابعة للتلفزيون وفضائياته, التي ضخت وتضخ لنا هوس وانفعالات, بل ونسي الكثير منا استخدام القلم وصار وقتنا ملهاة واستجراراً للزمن خاصة من يتعاطون القات. أما الفرد الغربي فإن وقته ثمين وبيئته مشجعة وغير فضولية, فتراه بدلاً من البحلقة والنظرات الفضولية يفتح كتاباً أو صحيفة, وهو بانتظار المواصلات, ثم وهو في الباص والقطار, وحتى في الحديقة العامة والمطاعم والمقاهي, وهذا ليس عيباً عند رجل أو امرأة؛ بل ثقافة وإشباع ذاتي وإمتاع طالما والوقت وقته ولا يؤذي أحداً, وعلى الأقل هو ساكت لا “يبصبص” ولا يعبث بالكراسي ولا يغني ولا يقلب الباص مقهى أو صالة للمحادثة, وهذه ثقافة تحتاج المقارنة. أما نحن العرب فقد أسقطنا على أنفسنا ثقافات سلبية من صنعنا, أخرت ثقافة القراءة, وقدمت ثقافة البطش والتنظير الكلامي على القراءة, ولعل تسرب الغش والفساد, هي نتاج لهذه الثقافة السائدة في الغالب, ولعلنا نناصر ذلك البيت الشعري: السيف أصدق انباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب واليوم لم نعد نجيد استخدام السلاح “السيف” كناية عن الدفاع وأخذ الحق, بل صرنا مسخاً بين أميتنا الغالبة وثقافتنا السطحية واقتصاداتنا الضعيفة, وصارت ثقافتنا وممارساتنا أشبه ب “دون كيشوت” الذي حمل سيوفاً ورقية وصارت بيننا وبين التثقيف عداءً. وحتى ماتقتنيه الصفوة المثقفة من كتب هي بمثابة ديكور لا يستفيد منها شيئاً, وبعد وفاة الواحد منهم تتلاصق أوراق هذه الكتب ولا يفكر الأبناء والأحفاد بفتحها وقراءتها, وقد قيل: “عجباً لجيل لا يقرأ” للأسف الكتاب الورقي ولا الالكتروني يقرأ. لقد اتحفتنا “الجمهورية” بعدد من الإصدارات منها: لباوزير وأحمد محفوظ عمر وماكتب عن اليمن للطبيبة الفرنسية كلودي فايان “ كنت طبيبة في اليمن”. نماذج لمختارات شعرية مثل: “حديث الروح لمحمد إقبال، سلطان العاشقين لابن الفارض، دلائل الإعجاز للجرجاني, طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد للكواكبي, وتعقيبات على الاستشراق لإدوارد سعيد، جدد حياتك للشيخ الغزالي, نحن نقيم صرح الروح لفتح الله كولن”. كتب في الحكم والجمال والديانات والثقافات “هكذا تكلم زرادشت”، الفن الحديث، الشاهنامة. هذا الفيض الثقافي والزاد الأدبي هو عمل كبير يقف وراءه رئيس التحرير الأستاذ سمير اليوسفي والإخوة المعدين لهذه السلسلة من الكتب الرائعة. هذه فرصة تتميز بالتنوع والتوفر؛ كونها مرفقة مع الصحيفة, وأيضاً رخص سعرها حيث توزع مع الصحيفة مجاناً, فهل تعاطى القراء والمثقفون بدرجة أولى واغتنموا الفرصة للقراءة والحفظ والتعبير عن التقدير لأصحاب الفكر وناشريه.. أما أنا فأقول شكراً لهذا العطاء القرائي الثقافي للجمهورية.