بالأمس احتفل اليمن بالذكرى الثالثة والأربعين لأعياد استقلال جنوبه من الاستعمار البريطاني بعد احتلال دام 129 عاماً ، لم يفقد فيه اليمنيون هويتهم وارتباطهم بالأرض التي كانت لا تزال مقسمة حينذاك بين البريطانيين والدولة الوليدة في الشمال ، بعد أن اتفق المستعمر والمملكة المتوكلية اليمنية على تقاسمها قبل قيام النظام الجمهوري في الشمال للحفاظ على مصالحهما . لهذا كان النضال في الجنوب مرتبطاً بقضية الانتماء والهوية اليمنية ، انتماء الجنوبيين للوطن الكبير ، كما كان ارتباط الشماليين بالوطن الكبير الذي مزقته الحقب الإستعمارية التي تناوبت على احتلال دوله ؛ فأخضعت بعضها لإدارتها وعزلت البعض الآخر ، بحيث لم تستطع أية دولة أن تتحرر من هذه الحقبة الاستعمارية إلا باتباع الكفاح المسلح كخيار وحيد لنيل الكرامة التي سلبت منها . اليوم وبعد 43 عاماً من استقلال جنوبنا الذي ظل يرزح طوال أكثر من قرن وربع القرن تحت الاحتلال البريطاني، يحق لنا أن نفتخر بما قدمه الآباء والأجداد، الذين كانوا يدركون أن نضالهم سيثمر ذات يوم ، وقد أثمر بعد نحو 23 عاماً بإعلان دولة اليمن الكبير التي وحدت البلاد من أقصاها إلى أقصاها مستبعدة المشاريع الصغيرة التي كان يراد لليمن أن يبقى تحت رحمتها . لكن بعد هذه السنوات من عمر الاستقلال يحق للناس أن يراجعوا التاريخ جيداً وعلى النخب الحاكمة والمعارضة أن تستنجد بالماضي لقراءة الحاضر والمستقبل، وليس لاستعماله من جديد ، فاليمنيون الذين ناضلوا في الشمال والجنوب على السواء لم يكن ليسعدوا بما نحن عليه اليوم من خلافات وتشرذم ، لقد منحنا المناضلون في الشمال والجنوب على السواء حياة جديدة ، علينا أن نحافظ عليها ببناء يمن جديد مختلف . جاء الاستقلال في الجنوب ليكمل حلم اليمنيين الذي تحقق في الشمال بمجيء حكم وطني خاض سنوات طويلة من الحروب، ليثبت حلم إقامة النظام الجمهوري لأول مرة في اليمن ، وعندما تسلمت الجبهة القومية الحكم في الجنوب أقامت دولة وطنية كانت الهوية اليمنية حاضرة في كل سلوكها ، وعندما قامت الحروب بين الشمال والجنوب ، لم تغب هذه الهوية عن قادة النظامين ، فباسم الوحدة اليمنية تحارب النظامان واستنزفا الكثير من خيرات البلد ، لكنهما مع كل ذلك أبقيا الهوية اليمنية بعيدة عن صراعاتهما . واليوم وبعد هذه السنوات نسمع من يدعو إلى عودة مساوئ التاريخ من جديد ، بعودة التشطير وصراع «الإخوة الأعداء» ، ولا يعلم هؤلاء أن العودة إلى الماضي لن تجلب للبلاد سوى الخراب والدمار ، لكنها لن تحقق لهم ما يصبون إليه . لقد توحد اليمن وصار من الصعب على أي شخص أن يفتت هويته ، لكن علينا أن نستمع إلى بعضنا البعض ، كما نستمع للآخرين ، علينا أن نحافظ على هويتنا التي تهددها دعوات العودة إلى ما قبل 22 مايو 1990 ، وعلينا أن نحافظ على استقلال طويل الأجل كما رسمه لنا من قدموا حياتهم ثمناً للحياة التي نعيشها اليوم .