جاء إليّ يحمل كتاباً عن نهاية العالم, وأنه في عام 2012م سوف لن يبقى على الأرض أحد لأن القيامة ستقوم حتماً, ومع أنه متدين ويواظب على الصلاة والصيام, إلا أنه من كثرة قراءته لكتب الملاحم وآخر الزمان قد أصبح لديه هاجس وصل إلى درجة الوساس القهري. راح الرجل ببراءة يعدّد لي علامات الساعة ومنها كثرة الهرج والمرج, وراح يشرح ذلك بأنه كثرت الفتن والقتل, ثم دلل على ذلك بما يحدث في العالم اليوم, فإنك لا تفتح أو تتصفح وسيلة إعلامية إلا وتجد فيها قتلاً وتدميراً هنا وهناك. ولم يكتف بذلك بل سرد أحاديث عدة عن قتال اليهود لنا بين يدي الساعة، وبعد أن شعر صاحبي بالارتياح الشديد كونه أقنعني وأفرغ كل حماسه في تلك الأدلة, قلت له: كل ما ذكرت صحيح, ولكن هذه علامات صغرى وهناك علامات كبرى لابد أن تتحقق منها خروج الدابة التي تكلم الناس, ومنها طلوع الشمس من المشرق, ومنها انتشار الكفر حتى لا تجد من يقول لا إله إلا الله, ولو قالها أحدهم لتأخرت القيامة سبعين سنة. عاد صاحبي ليقول: ألا ترى ما يحدث في بعض البلدان من مظاهرات وقتلى وتحول أحوال؟!. قلت: بلى, ولكن إذا صح أن القيامة ستقوم عام 2012م فأين قسم الله عز وجل أن تأتي بغتة، وأين قول الرسول صلى الله وعليه وسلم لجبريل في حديث عمر بن الخطاب المشهور: “ما المسئول عنها بأعلم من السائل؟”. لم يتعب صاحبي فقال: طيب افرض أنها قامت في هذا الموعد فما نفعل لماذا لا نستعد لها؟!. قلت: أما هذه فنعم, فعلى كل مسلم أن يستعد لها ولكن في توازن، فلا يفرّط في حق الله عز وجل, ولا ينسى نصيبه من الدنيا، فلا يعني الاستعداد للرهبنة وترك مصالح الخلق بدعوى أننا نستعد للآخرة, فعمل الدنيا إذا ابتغى به الإنسان وجه الله كان زاداً للآخرة. وما يحدث اليوم من فوضى في بلدان عديدة إنما هو طمع الدنيا والحرص عليها وعدم الاهتمام بالآخرة في توازن مع الدنيا, ولا فهم الطامعون معنى العبادة على حقيقته. إن لكل إنسان مهمة في هذه الحياة لابد أن يؤديها على أكمل وجه, فلا يعذر من يتخلى عن مهمته بأي دعوى كانت, وأول هذه المهام - بعد الإيمان بالله - هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي لو أداه كل إنسان على الوجه الصحيح لما تراكمت المشكلات وانتهت إلى ما انتهت إليه كما في بعض الأقطار. فالمزينون للمنكرات بدعاوى ما أنزل الله بها من سلطان، والمحاربون لله ولرسوله جهاراً نهاراً بدعوى التقدم, والموالون لأعداء الله, والذين يسفكون الدم الحرام بذرائع واهية من تكفير وغيره, كل هؤلاء سبب استدعاء قيام القيامة, ولكن القيامة المقصودة هي قيامتهم التي ستقوم عليهم وحدهم, ولهذا لابد من الحذر من كل هؤلاء فهم في كل عهد سبب نكبة الأمم, فلا هّم لهم إلا مصالحهم وشعارهم “أنا ومن بعدي الطوفان”. إن ما يجري اليوم في بلدان كثيرة سببه البعد عن الله عز وجل القائل (وشاورهم في الأمر) وليعلم الكل إن التلف في الاختلاف، فكل مشكلة ولها حل, وربما حلول, كل ما في الأمر «أن للعقل صوتاً يجب أن يسمع» وما عزّ قوم اختلفوا، والله عز وجل لا يرضى لنا الاختلاف وقد قال: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم). والله من وراء القصد.