لما ارتأيت أن تظل الأفكار في جانب ثقافي أدبي فكري قبل سنوات قررت أن تكون الأطروحات وفعل الكتابة وممارستها توعوية فقاطعت الكتابة في أي شأن سياسي على اعتبار أن قاعدة الوعي ترتكز على التنظير الثقافي الذي تنبع منه كافة التسويات والتوافقات والرؤى إلى الوعاء السياسي والاجتماعي والاقتصادي ولكن يبدو أن الوطن اليوم أمام منعطف هام يجعلنا نستعد للوقوف في خضمه ولعل ذلك ما دفعني للكتابة مجدداً ليس من باب إسقاط الواجب كلا إنها مسئولية كل شريف ووطني حر إزاء محاولات لقوى الظلام المأزومة التي ظلت ومازالت لفترات طويلة عالة على الوطن والإنسان والكائنات وهي تحاول اليوم الكفر بالديمقراطية والانقلاب على الدستور وقوانين العمل الوطني وتسعى بكل استحثاث وبدون هوادة إلى تعطيل المشروع الوطني وإعاقة التنمية وتجزئة الوطن إلى أربعة أشطار وربما أكثر. وتستميت هذه القوى التي لم تلتق على مشروع سياسي ناجع ينشد الأمن لأبناء الوطن مثلما التقت خار ج السلطة على تدمير وتخريب مكاسب الوحدة والجمهورية وجر البلد إلى دوامة الاقتتال والحرب الأهلية كوسيلة رخيصة للوصول إلى السلطة بعد أن فقدت الأمل في الصعود عبر الاستحقاقات الانتخابية فساومت على التقاسم وحين لم تنل مرادها هاهي الآن تساوم على الجماجم وإراقة الدماء بكل مكر وخبث وقد راودني ذلك الشعور حينما حضرت يوم الجمعة قبل الفائتة في مدينتي يريم خطبتي صلاة الجمعة في أحد مساجد المدينة وما أن أديت ركعتي تحية المسجد وجلست للاستماع للخطيب حتى هالني وأرعبني ما سمعته من الخطيب وتحريضه المريب للفتنة، فقد أورد كلمات وعبارات تحمل في طياتها معاني الحقد والضغينة وأفرغها في آذان ومسامع الحاضرين بحجج ما انزل الله بها من سلطان مستغلاً ميل المجتمع اليمني لعواطفه ومدغدغاً مشاعرهم برؤى تجنح إلى الزيف والافتراءات. الأدهى من ذلك كله استخدامه لآيات قرآنية وأحاديث نبوية قام بتأويلها وفق رغباته وأهوائه ونوازع الحزب الذي ينتمي إليه محرضاً الناس للخروج إلى الشوارع وتنفيذ الاعتصامات والمظاهرات وإثارة الفوضى والغوغاء بحجة أن ذلك من سبل التغيير وواعداً كل من سار في هذا الطريق بالجنة والثواب العظيم. ومع أن الكثير من المصلين استاؤوا من هذه الحماقات بل أن بعضهم غادر المسجد إلا إن الخطيب استمر في انفعالاته حتى كاد يقفز من المنبر على رؤوس المستمعين وبالأخص حين فاجأهم بالقول إن الخروج على ولي الأمر حرام فقال البعض لعله عاد إلى رشده إلا أنه أفزعهم حين قال: لكن الخروج على هذا الحاكم مشروع والحرام أن تظل في البيت بل إن التزام بيتك في هذه الحالة هو السير إلى النار. وأخيراً أتساءل: هل سيستمر السماح لصعود هؤلاء إلى المنابر؟ وهل مثل هؤلاء الخطباء سيقودون المجتمع والأمة إلى بر الأمان أم أن مثل هذا الخطيب هو الخلاصة الحقيقية لتوجهات اللقاء المشترك في إحراق الوطن والمواطنين وإذكاء نار الفتنة؟ وإذا كان الخطباء هم القدوة فكيف بالحال وقد تحولوا إلى أبواق تنعق بالوبال وتدق طبول الحرب، وبالتالي فإن من الحري بنا في هذه الحالة معرفة مآلات المغرر بهم من أبناء الشعب السائرين خلف حملة المباخر من قادة المشترك، فمن ينقذهم من هؤلاء موتى الضمائر ومشبوهي المزاعم؟ ومتى ستكف الغربان عن النعيق وعن تسييس المساجد وتحويلها إلى محاريب لبث السموم باسم الدين؟ وهل هؤلاء خطباء أم قادة مليشيات؟! .. ولا حول ولاقوه إلا بالله.