كان في الطابور أمام محل بيع الغاز شخص أشعث، والأشعث في اللغة العربية معروف بأنه من يلبس ثياباً سملة وشعره غابة من الحشرات والأتربة والأوساخ، ومن شدة حرارة الشمس كان يتصبب عرقاً، فذهب إليه شخص يعرفه وقال له بصوت مسموع: هذا الأشعث يملك خمسين اسطوانة غاز وتكفيه لسنة أو أكثر.. لكنه يستبدل الاسطوانة بأخرى كلما فرغت من الغاز في نفس الساعة تقريباً ولا ينتظر لليوم التالي، بمعنى أنه غير مضطر لهذا التعب وعمره فوق الخمسين سنة، فاستشاط الأشعث غضباً ونهى صاحبه عن الكلام عليه وسماه«يا أغبر وأنت تملك أكثر مني» فانسحب الأغبر وبقي الأشعث كما يقول شهود العيان إلى أن حصل على اسطوانة جديدة واستأجر دراجة نارية واحتضن الاسطوانة.. وبمجرد دوران الدراجة اختل توازنه فسقطت الاسطوانة على الأرض وتدحرجت لمسافة قبل أن يلحق بها ويحصل ما حصل من الزحمة؛ كون صاحب أول سيارة كانت في الاتجاه الصحيح، صاح في وجهه أنت مخالف والله ما تروح من يدي إلا بعد أن تدفع حق إصلاح الصدام، وتقول للسواقين الذين يضربون الهون إنك السبب وتقنعهم بالانتظار حتى نتوصل إلى حل أو تذهب إلى شرطي المرور في الجولة وتحضره ليقوم بتنظيم الحركة ويحكم بيننا. قال له: وما دخل شرطي المرور في هذا الموضوع, هي الاسطوانة «نكعت من حدفي» دون قصد والدنيا سلامات, ومن بين الطابور صاح أحدهم: على الأشعث والأغبر إعطائنا اسطوانات بالثمن الذي يريدانه ونحن مستعدون للدفع؛ كوننا قد تعبنا وربما تنفد الكمية قبل أن نحصل على الاسطوانة, لكن أحدهما كان قد غادر المكان بعد الشجار الذي حصل بينه وبين الأشعث.. ثم قال: لا تصدقوا الاثنين فهما من الأغنياء والبخل الذي بهما يجبرهما على التظاهر بمظهر الأشعث والأغبر كالذي رأيناه في صالة البريد لدى استلام المتقاعدين مرتباتهم وهو معروف بمنصبه السابق في أحد البنوك التجارية، فأراد أن يشق صفوف المتواجدين منذ الصباح بمجرد وصوله مدعياً المرض بكثرة الأنين بينما السيجارة لا تفارق يده ولا يتوقف الدخان عن فمه.. وأنا أقول: هؤلاء وأمثالهم هم من يحدثون الأزمات والهلع في أيامنا هذه وفي الأوقات التي يشاع فيها عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية عالمياً فيخلقون سوقاً سوداء ويخدمون الجشعين والمغالين خدمة مجانية مربحة دون أن يدروا, فأي جهة وأي رقابة وتنظيم يمكن أن يردعهم جميعاً رحمة بالبسطاء والعجزة والفقراء..؟