ما يجري اليوم في وطني العزيز اليمن وعدد من الدول العربية والإسلامية من أحداث مؤسفة وما نتج عنها من معاناة وفرقة وشتات وتشرذم وخراب وقتل ودمار يتحمل وزره الأكبر علماء الدين المسلمون قبل غيرهم لأنهم تخلوا عن واجبهم الديني والوطني ولهثوا خلف مصالحهم الشخصية والحزبية والمذهبية وأغفلوا أو بالأصح تغافلوا عن مصالح أوطانهم وأمتهم الإسلامية حين ارتضوا أن يحسبوا من بين السياسيين والمسئولين والتجار وأصحاب العقارات المترفين في الأرض.. فأسقطوا أنفسهم في مستنقع الأهواء والمطامع الدنيوية وتحولوا من علماء دين مسلمين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر يبتغون وجه الله ورضوانه في كل أقوالهم وأفعالهم في السر والعلن، غايتهم في ذلك صلاح مجتمعهم وأمتهم وأوطانهم تحولوا إلى علماء أحزاب ومذاهب وجماعات متنافرة تتجاذبهم الأهواء وتحكمهم المصالح، تستثمر الدين وعلماءه وتوظفهم لتحقيق أغراض حزبية ومذهبية وقبلية وشخصية على حساب مصالح الوطن والأمة الإسلامية. وإذا ما أقررنا أن كل هؤلاء المعممين وأصحاب الذقون الملونة الطويلة والقصيرة الذين نسمعهم من منابر المساجد ونراهم عبر الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة، هم في حقيقة الأمر علماء دين مسلمون.. يؤمنون برب واحد هو الله سبحانه ونبي واحد هو محمد بن عبدالله صلوات الله عليه وعلى آله، ولهم كتاب سماوي هو القرآن الكريم مثل جميع المسلمين في أصقاع الأرض. فما معنى اختلافهم وتنافرهم وتسفيه بعضهم وتبادلهم الاتهامات فيما بينهم وبغضهم وإظهار حقدهم وكراهيتهم فيما بينهم أكثر من حقدهم وكراهيتهم لغير المسلمين ؟؟ ولماذا تعصبهم للحزب والمذهب والجماعة والقبيلة أكثر من تعصبهم للدين والوطن ومصالح الشعب؟؟ وهل يجوز لعالم دين مسلم في أمة مسلمة ان ينحاز لفئة وينصّب نفسه، مفتياً خاصاً لحزب أو جماعة أو مذهب ويسخِّر علمه ودينه لتبرير ما يرتكبه أعضاء واتباع ذلك الحزب أو تلك الجماعة والمذهب من أعمال عنف وإرهاب وتقطعات وجرائم في حق أبناء الوطن المسلمين، المخالفين لهم من الأحزاب والجماعات والمذاهب الأخرى وبأي حق يبيح عالم دين مسلم لنفسه أن يفتي بقتل المسلمين باسم الجهاد في سبيل الله وتدمير بلاد المسلمين؟ أما عالم الدين الحق الملتزم بروح الإسلام وقيمه وتعاليمه وأخلاقياته المقتدي بسنة المصطفى الهادي الأمين فعليه أن يربو بنفسه عن الصراعات الحزبية والمذهبية ويسمو بعلمه ودينه فوق الأهواء والمطامع وأن يقدم نفسه كعالم دين مسلم لجميع المسلمين دون استثناء أوتمييز، وحين يوجه خطابه يخاطبهم كمسلمين لا كأعضاء حزب أو أتباع مذهب أو جماعة وله الحق أن ينصح ويبين ويعظ ويرشد ويحذر ويوجه ويقدم المشورة الصادقة، وله الحق أيضاً من موقعه كعالم دين مسلم لا غير أن ينتقد كل ما يراه من مفاسد وأخطاء ومظالم ومنكرات ويدعو للقضاء عليها من منطلق ديني بحت وحرص حقيقي على مصلحة الأمة والوطن بغض النظر عن مرتكبيها ومن يقف وراء هذه الأعمال المنكرة أو يساعد في تفشيها في أوساط المجتمع المسلم، فهذا هو دور علماء الدين وواجبهم عبر الأزمات، ينظرون لجميع أفراد المجتمع المسلم بعين واحدة أكانوا في السلطة أو المعارضة، أغنياء أم فقراء، مسئولين أو مواطنين مشائخ أو رعية من حزبهم وجماعتهم ومذهبهم أو كانوا من أحزاب وجماعات ومذاهب أخرى، لا يخشون في قول الحق لومة لائم ولا يبيعون دينهم بمال أو منصب أو جاه. نعم أيها السادة إن علماء الدين المتباكين اليوم على مصالح الوطن والشعب هم من جلبوا الويلات وساهموا بشكل أو بآخر فيما نعانيه من مآسٍ وضعف وتشرذم وتخلف وهوان طوال سنوات إما بصمتهم وتغاضيهم عن ظلم الظالمين وفساد الفاسدين وجرائم المتنفذين من حكام ومسئولين وضباط ومشائخ وتجار، وإما بمشاركتهم الظالمين ظلمهم والفاسدين فسادهم، والكثير منهم تقلدوا مناصب وتحملوا مسئوليات ولديهم مشاريعهم وتجارتهم الخاصة وهم لا يختلفون عن غيرهم في تعاملهم مع المواطنين وتعاطيهم مع المصلحة الوطنية وقد ارتكبوا من الظلم والفساد الكثير . وما يثير خوفنا كمواطنين مسلمين أن يصل الأمر إلى تقاسم المساجد وتخصيصها وتوزيعها بين الأحزاب السياسية وعلى الجماعات والمذاهب الدينية، فنسمع أن مسجد كذا خاص بحزب كذا ومسجد كذا تابع لمذهب كذا، وجماعة كذا، ويمنع دخول المصلين مَن غير المنتمين لهذا الحزب وذلك المذهب، فمن يلوم من ياعلماءنا الاجلاء ومن يحاسب من؟؟ من هم الفاسدون ومن هم الصالحون؟؟ من هم الوطنيون ومن هم أعداء الوطن؟؟ من هم أصحاب الحق ومن هم جماعة الباطل؟؟ فقد تشابه الصالحون والفاسدون علينا ولم نعد نستطيع أن نميز بينهم وأنتم من يتحمل الوزر الأكبر.. وكل قطرة دم مسلم تسفك وعرض ينتهك ومال يغتصب ووطن يدمر أنتم المسئولون عنه يوم القيامة فاختاروا لأنفسكم إن كنتم مؤمنين بالله واليوم الآخر.