أصبحنا جميعاً متساوين أمام ثقافة الرحيل “الإخلاء”, من المواطن العادي وصولاً إلى الرئيس, الجميع ذاق مرارة الرحيل بطريقة أو بأخرى. بدءاً بالرئيس المطلوب منه إخلاء اليمن بالشعار الفريد “ارحل” , وبالتوازي مع مطلب إخلاء الوطن من جميع الفاسدين , كان على المواطن أيضاً الرحيل والإخلاء دائماً, ولكن من دون مبادرات أو وسطاء أو “فاعلي خير” يعطونه حصانة.. جاءت مطالب الإخلاء بشراسة ضد الطرف الضعيف -وهو المواطن دائماً- بدءاً بالمؤجر الذي طالبه بإخلاء الشقة لتأخره عن دفع الإيجار طوال عام الثورة, والزوجة تطالبه بإخلاء الجيب -الخالي أساساً- من أجل لقمة العيش.. ومدير العمل يطالبه بإخلاء العهدة المالية التي بذمته التي أكلها وصرفها على الأسرة والبقالة والمواصلات من وإلى الساحة طوال الفترة الماضية, ومروراً بالرسائل التي تدعو إلى إخلاء الشوارع ليلاً تحسّباً لأعمال عنف واشتباكات, ولا أنسى ذكر العصابات المسلحة التي تطلب منه إخلاء سيارته فوراً وفوهة البندقية على رأسه - هذا إن كان يملك سيارة أصلاً - وكل هذه عمليات إخلاء تمارس قسراً ضد المواطن وبشكل يومي دون أن يكون له حول ولا قوة فيها. وأصبحنا عاجزين عن التعامل مع مثل هذه المارسات في البيت والمكتب والشارع ولا نجد وسيلة للهرب منها إلا بالتوجه نحو ساحات الثورة لنهتف ونصرخ بأعلى صوتنا ضد من أوصلنا إلى هذه الحال بأن عليه إخلاء الوطن “ارحل” , ونستجدي المنصة رفع مستوى الحماس حتى نتمكن من إخلاء صدورنا من الكبت الخانق. وفي الأخير يتخلى المواطن عن كل ما لديه من شقة وعهدة مالية وأثاث يمكن بيعه ممَّا خفّ وزنه وغلا ثمنه من أجل الغالية اليمن, حتى يتمكن المواطن المغلوب على أمره من إرغام “صالح” على إخلاء اليمن, ويبقى إخلاء المؤسسات من الفاسدين والجيش من المجرمين هدفاً للمرحلة القادمة من الثورة.. والوسيلة الوحيدة لتحقيق ذلك هي الساحات ولا يمكن بأي حال أن يدخل الثوار في حوار حول إخلاء الساحات قبل أن يتم إخلاء القصور الرئاسية جميعها من بقايا صالح, وأيضاً إخلاء مؤسسات الدولة من الفساد والفاسدين. ولا فرق إن كان هادي يستطيع السكن والنوم في قصر النهدين, أو أنه يفضِّل بيعه في مزاد علني مع بعض القصور الأخرى للاستفادة من قيمتها في سد احتياجات اليمن العاجلة, كما فعل رئيس تونس المنتخب, أمّا أن تبقى تلك القصور تحت سيطرة أبناء صالح أو إهدائها له كما يشاع فهذا أمرٌ غير مقبول وغير مبرر, ويجعل هادي تحت طائلة المساءلة بالتفريط في المال العام. وهناك من يعتبر أن مسألة القصور هي من بين المسائل الهامة والعاجلة التي تختزل مستقبل الحكم, والتصرف الحكيم أو الشجاع حيالها فقط سيعطي هادي ثقة مبدئية من الشعب, فالحيازة هي أقوى دليل على ثبوت الحق وتصرف هادي بقصر النهدين وقصر الشعب في تعز وبقية المحافظات هي التي تجعلني أطمئن إلى أن هادي أصبح رئيساً لليمن, وأن صالح مواطن ليس إِلا. والأهم من ذلك كله أن لا تبدأ حملة فض الساحات قبل فض قصور الرئاسة. [email protected]