لم أجد في التاريخ السياسي فكراً يكرس التقوقع القروي ، ولم أجد إلا فكراً وحدياً مستنيراً طوال تاريخ الفكر السياسي لليمن منذ آلاف السنين ، ولم تظهر فكرة التخندق القروي الصغير إلا عندما جاء المستعمر البريطاني واحتل جزءاً غالياً من الوطن اليمني الكبير على ساحل البحر العربي وخليج عدن ، فقد استخدم فكرة المناطقية معتمداً على سياسة فرق تسد ، وعمل الكنتونات الصغيرة وخلق التمييز العنصري بين أبناء البلد الواحد ، وعمل على سلخ الهوية اليمنية الواحدة ، وعندما ثار اليمنيون ضد المستعمر البريطاني وأجبروه على الرحيل وإلى الأبد زرع الفتنة وغذى الصراع لكي يؤخر وحدة الوطن اليمني الكبير ، فقد تأخر إنجاز الوحدة من 1967إلى 22مايو 1990م ورغم ذلك إلا أن سياسة المستعمر (فرق تسد ) ظلت تنخر في جسد الوطن اليمني حتى الآن . إن بعض الكتابات التي تظهر مازالت وكأنها في فترة التشظي التي خلقها الاستعمار ومازال البعض يؤمن بالكنتونات ويسعى لها من أجل جعل اليمن مقسماً ومجزأًً إرضاءً لرغبات الاستعمار الذي لم يفلح في ذلك الزمن في تحقيق مآربه العدوانية على وحدة الشعب اليمني الأمر الذي يدل أن بعض العقول مازالت على عهدها بالكنتونات والعنصرية التي زرعها المستعمر البريطاني ، ولم تزل تدين لها بالخضوع والإيمان المطلق ، وأن تلك العقليات قد تمكن المستعمر من حجب التفكير في الوطن الواحد الموحد ، وتمكن المستعمر من غرس الفكر العنصري في أذهان من ظلوا على ولائهم له . إن الحديث عن مسخ الهوية اليمنية وتمزيقها نقطة سوداء لايؤمن بها إلا من يكره اليمن ومن رضي بأن يكون صغيراً وضعيفاً لايقبل بالتعايش الوطني على رقعة جغرافية واحدة وموحدة ، أما الذين يؤمنون بوحدة اليمن الواحد الموحد فإن مثل تلك الأفكار والمشاريع الصغيرة لاتعبر عنهم مطلقاً لأن أبناء اليمن الواحد الموحد من قلب المحيط الهندي في أرخبيل سقطرى وحتى صعدة فإنهم عظماء ونبلاء وشرفاء وهم بحجم اليمن الكبير لايمكن أن يقبلوا بالتشظي والانقسام لأن ثورة 26سبتمبر و14أكتوبر عامي 62/1963م قد وحدت أهدافهم وهم ماضون إلى ماهو أعظم وأنبل وهو الوصول إلى يوم الوحدة العربية المنشودة بإذن الله .