غالبا ما تحتل القضية الجنوبية مركز الصدارة من بين القضايا العالقة ذات الحجم الكبير التي كان للنظام العائلي آثاره العميقة في صنعها وتأجيجها مخلفا مضاعفات وتراكمات ثقيلة الحمل ألقيت على كاهل هذا الجيل . دائما في الوقت الذي نسمع فيه أي حديث سواءً كان سياسيا او حقوقيا او قضائيا يشار في غالبية الحديث الى القضية الجنوبية كحديث شفوي ليس اكثر يطرح للنقاش يتم فيه تناول الموضوع بشكل سطحي دون النظر بعمق للواقع السياسي والاجتماعي القائمان حالياً وفي هذا السياق ذاته نستطيع القول بان هناك معضلة قائمة يجب حلها بشرط ان تكون الحلول المقدمة حلولاً جذرية غير قابلة للمساومة, ولكي نتمكن من ذلك هناك اسئلة مهمة يجب علينا أن نستمع لها بآذان صاغية حتى نتمكن من الاجابة عليها وحلها ببساطة كيمنيين يهمنا الوطن, كيف وصلت هذه القضية الى هذا الحد الكبير من التعقيد وما هي الأسباب الرئيسة والعوامل التى أدت الى حدوث هذه القضية ولماذا تم السكوت عنها حتى اللحظة, كان الاجدر بنا قبل كل الذي حدث ان لا ندع مجالاً لهذه الاسئلة تلقى على مسامعنا ولا نستطيع الاجابة عليها. ماهو واضح وجلي نحن العرب وبذات اليمنيين اذا حلت بنا مشكلة ما دائما لا نعيرها أي اعتبار ولا حتى نسعى لمعالجتها في الوقت المناسب قبل ان تتوسع رقعتها فيصبح من الصعب التعامل معها كمشكلة اعتيادية, يوحي هذا الشعور بأننا نحتكم دائما للعاطفة ليس الا وهذا بدوره قد ادى الى تدني مستوى الفعل الجدي لدينا فاصبحنا نتقبل الاحداث والمعضلات بشعور من اللامبالاة وبالتالي نحن اليوم بحاجة الى ثورة فكرية مصاحبة للثورة الحسية التي نحن اليوم بصددها كي ندرك مدى نقاط ضعفنا ومدى قوة استعدادنا الضمني لحل قضايانا والتي قضيتنا الجنوبية جزء منها كمسألة باتت تهدد جسور التلاحم والارتباط بين شطري الوطن . مما لا شك فيه ان الانظمة العربية انظمة فاسدة ومستبدة كان من السهل علينا الاطاحة بها في الايام الاولى من انطلاقة الثورة العربية لولا سوء فهمنا للواقع الذي نعيشه فعلى سبيل المثال النظام اليمني كان من المتوقع سقوطه في الايام الاولى من عمر ثورتنا المباركة لكن وقفت امامنا بعض التحديات التي ساعدت هذا النظام على البقاء رغم تفككه المفاجئ, هذا لا يعني بالطبع بقاء النظام حتى اللحظة بهذه الشكلية التى تبدو ركيكة بأنه يمتلك قوة تنظيمية عالية او حنكة سياسية استطاع من خلالها احتواء الموقف او ربما ضعف الفعل الثوري لدى ثورة الشباب هذا ليس صحيحا الثورة اليمنية اعتقد انها اكثر الثورات زخما اذا ما قورنت بالثورات الاخرى لكن هناك اخطاء ارتكبت من قبل الثوار يجب ان نعترف بها استطاع النظام المتهالك استغلالها بشكل مفرط لصالحه وبالتالي تمكن من البقاء متطفلا على تلك الاخطاء طيلة الفترة المنصرمة, نتمنى ان لا يتكرر ذلك السيناريو مرة اخرى. على العموم قبل ان نبدأ بحل القضية الجنوبية حلا عادلا بما يرتضيه ابناء الجنوب يجب علينا ان نعترف جميعا ابناء اليمن عامة بعدالة قضيتنا وهذا بدوره سيمهد الطريق امامنا لحلها فأي مريض لا يمكن معالجته اذا لم يعترف بمرضه, انا لست متشائما كما انني على امل كبير بان القضية الجنوبية ستلقى انصافاً في ظل ايماننا وقناعتنا الوطنية القائمة على مبدء العدالة والانصاف وهذا يتطلب منا ان نقف وقفة جادة بوجه كل التحديات القائمة بإرادة صادقة لا تخضع للتعذرات كهدف اساسي لإنصاف قضيتنا حتى لو كانت المرحلة القادمة اكثر صعوبة, ومن الاشياء المهمة التي يجب ان توخذ بعين الاعتبار النظر للقضية الجنوبية قضية انسانية حتى لا تسيس وتوظف بعض الاخطاء التي ارتكبت من قبل بعض ابناء الجنوب بشكل عكسي كما حدث في الايام القليلة الماضية تحديدا يوم 21فبراير حينما قام بعض الجنوبيين مقاطعة الانتخابات وجزء بسيط منهم احدث شغبا لا ندري حتى اللحظة من هي الجهة المسئولة عن ذلك ومن المستفيد من تلك الاحداث, لقد تم الترويج لها اعلاميا اكثر من اللازم حيث اعطيت اكبر من حجمها الطبيعي, في ذلك الحين كان الكثيرون يتحدثون عن القضية الجنوبية بامتعاض شديد مصورين الحدث باختبار اولي فشل الجنوبيون في التعاطي معه قد يعرض قضيتهم التي طالما حلموا بحلها للطمس والضياع نظرا لا ستخدامهم طرقاً غير حضارية سيئة الاختيار أثارت شيئاً من الجدل في الاوساط السياسية اظهرت القضية بصورة غير لائقة امام العالم كما يصفونها, هذه التصورات مرفوضة شكلا ومضمونا حتى لو افترضنا جدلا تمت مقاطعة الانتخابات باجماع ابناء الجنوب هذا لا يعني سقوط قضيتهم في معترك عواصف الضياع لأن القضية الجنوبية قضية شعب ووطن لا يمكن لها ان تسقط بمجرد تصرف افراد اوجماعة بعينها لا يعبرون بمفردهم عن القضية الجنوبية , نريد ان نفهم لماذا هذا التعامل الضيق، لماذا لا ننظر للأمور بأفاق واسعة ونعتبر ماحدث كان مجرد انفعال ناتجاً عن ممارسات قديمة ارتكبها النظام السابق بحق ذلك المجتمع مما جعله يتصرف بهذه الطريقة لذا نحن اليوم بحاجة لحل سريع وعادل وعليه يجب ان نتناول القضية الجنوبية بشكل موضوعي حتى لا ندع ثغرة قد تستغل كمبرر للقول ان القضية الجنوبية باتت مستعصية الحل . على اية حال ما هو واضح والذي يجب علينا ان نفهمه جيدا حتى لا ندع مجالا للوقوع في الهفوات ينبغي ان نفهم ان القضية الجنوبية وباختصار شديد اكبر من ان تختزل بفرد اوجماعة او مساحة جغرافية هي في الحقيقة قضية مجتمع ومعاناة انسان مقهور مورس عليه كل اشكال العنف والاستبداد حتى شعر في نهاية المطاف بانه غريب في وطنه.