من أول يوم ظهر الدكتور صالح سميع ليس مهتماً فحسب، بل مهموم بإصلاح وزارة الكهرباء وإعادة التيار, وظهر كمن يخوض حرباً مع الجميع، بل مع طواحين الهواء لإعادة النور، وبدأت وعوده بالتحسن السريع للكهرباء غير واقعية عند البعض، لديه ثقة كبيرة وتحدٍ مع الزمن والظلام وعوامل اليأس، وهذه صفات مهمة للنجاح وإخضاع المستحيل. في مثل هذه الظروف وهذا النوع من التحديات فإن وجود الموظف الناجح والنزيه لا يكفي، بل يحتاج إلى جانبها لروح الفدائي أيضاً، وأن يتحول العمل المراد انجازه إلى «هم» يعيشه المرء وليس مجرد مهمة أو تكليف، والحقيقة أن «هم» صالح سميع أنتج بعض الضوء وعودة للتيار الكهربائي بصورة أفضل في المدن والقرى، ولا ينكر ذلك إلا مكابر، هذا ما لمسته أنا وغيري من سكان تعز على سبيل المثال. صحيح أنها دون الطموح لكنها وبالنظر إلى الوقت والظروف فقد شكلت رسالة ايجابية تبشر بإمكانية وصول اليمنيين إلى اليمن الجديد في أسرع ما نتوقع، فالأمر لا يتطلب سوى توقيف الهدم والفوضى لتُقلع طائرة الوطن المكبل. حتى في حالة التخريب المتكرر للمحطات الكهربائية في مأرب ومناطق أخرى، فإن الحال أفضل مائة مرة، بعد ما كادت الكهرباء تصبح شيئاً من الذكريات القديمة وعلى رف متحف الزمن. يتحدث الرجل بثقة وصراحة حادة أحياناً فالوقت لا يحتمل المداهنة ... ويبدي اندهاشه بالكوادر الكفوءة والمعطلة وبالآلات الثمينة «المركونة» في المخازن كأننا أمام قرار رسمي بالتعطيل من أجل استئجار كهرباء من محطات عائمة كلفت الخزينة عشرات الملايين من الدولارات تكفي لشراء كهرباء تكفينا والقرن الأفريقي، وفتحت الباب واسعاً أمام الفساد الرهيب. في مقابلة تلفزيونية قال «سميع» إن ستين ملياراً هي ديون وزارة الكهرباء، معظمها عند النافذين، طبعاً ليس هذا الجديد .. الجديد تأكيده أنه سيبدأ بهؤلاء الكبار قبل الصغار، وقد يضطر لنشر أسمائهم في الإعلام الرسمي. يبدو سميع من النوع الصريح والمتمرد وهذا طبع يكلف صاحبه الكثير لكنه لا يضر الآخرين، بل ينفعهم بعكس المداهنة والنفاق، وقد كانت رسالته في الدكتوراه بعنوان «أزمة الحرية في الوطن العربي» عندما كان الكلام على الحرية جريمة لا تغتفر وهو ما اغضب الكثير داخل وخارج اليمن. لسنا في صدد «المدح» خاصة للمسئولين، لكن الرجل الذي ساهم في إعادة بصيص من الضوء والأمل.. يرقد في المستشفى إثر جلطة قلبية ألمت به لن تكون بعيدة عن «الهم» الذي عاشه في معركة الكهرباء والناس.. ومن الوفاء أن نذكره واندفاعه الرائع نحو الانجاز وندعو له بالشفاء والعافية وللكهرباء واليمن الجديد.