يقرر أحدهم وبتحدٍ بأن على الذين يتقدمون لتأدية مهمة الإصلاح والتغيير أن يتزودوا كأي مهني بما يلزم من عدة, ومنها المعرفة والشجاعة والتضحية.. اليوم الكثير من أطياف المجتمع اليمني ونخبه السياسية والثقافية يدركون ذلك, ويعرفون حق المعرفة بأن الوضع مزرٍ ومرير, وأن وضع المواطن العادي مدعاة للبكاء والتأسي فالعمل للخروج به وإزاحة ما يثقل كاهله ويقسم ظهره من أولويات المرحلة.. فهل نمتلك الشجاعة والتضحية لإخراج بلدنا العزيزة على قلوبنا من الوضع الذي وصل إليه أو أوصله إليه بعض العاقين من أبنائه.. فالمعرفة موجودة إذ انفجرت الحناجر على غير موعد تنشد الخلاص والانعتاق, ترفض الفساد, وتمج الظلم والإقصاء, تبتغي دولة مدنية, وإرساء حكم رشيد.. خرجت الجموع فكانوا متنفساً عظيماً للجميع, ومشهداً مهيباً, سيظل راسخاً وحياً في الذاكرة الجمعية لهذا الوطن وللعالم .. خرج الفقراء والعمال والمحتاجون, خرج المغيبون والمهمشون والبسطاء قبل غيرهم, فغدوا شعلة من الثورة والتضحية متشبعين بالحب والأمل والنبل والرحمة, متسلحين بقيم السماء قبل قيم الأرض.. الكل يتحدث عن الأوضاع المتردية وأوجاع المواطن, وآلامه وأحزانه.. فهل نمتلك الشجاعة لإخراجه من ذلك.. فالتغيير والإصلاح والحياة بلا أزمات أو منغصات ما نشده الكل ممن التحق بركاب الساحات, وممن ظل صامتاً يترقب, فقد داعب خيالهم حلم الحرية والكرامة والمواطنة المتساوية والعيش في كنف الوطن مكرمون لا مهانون.. أن يهجرهم إلى غير رجعة بؤسهم وحظهم التعيس, ليشعروا بعد يأس بإنسانيتهم وكيانهم, فنحن نعرف هذا ونعرف بأنا خرجنا وكلمتنا سواء, وإن اختلفت شخوصنا, وتعددت مشاربنا فقد توحدت القلوب والعقول والضمائر على إنهاء الاستبداد وإسقاط الأصنام البشرية.. فهل لدينا الشجاعة لنقدم شيئاً واضحاً ومحدداً لهذا الوطن ومواطنيه بعيداً عن اليأس والقنوط لنستعيد كياننا وسلامتنا وطمأنينتنا وأمن غذائنا وصحتنا, بعيداً عن المذهبية والحزبية والإملاءات الخارجية التي تبتغي التشرذم والتفكك والانقسام وقد ظهرت مؤخراً وبصورة سافرة وممجوجة.. هل نمتلك الشجاعة لتحطيم أصنامنا وحرق أفكارنا الضحلة, وتغليب الوطن على ذواتنا؛ فنخرج من قاموسنا كل مصطلحات التشكيك والتخوين والهدم.. فالمواطن شبّ عن الطوق..علينا أن نعي ذلك فهو أكثر وعياً وإدراكاً لما يعتمل اليوم, فلا حاجة إلى أن نزايد باسمه واحتياجاته, إذ يستطيع أن يفرق بين التمرة والجمرة, والحق والباطل.. فهل نمتلك الشجاعة بمعرفة ذلك وأن القوة والجبروت اليوم بيده فقد خرجت من يد النخبة إلى يد البسطاء من الذين حطموا الدكتاتورية وانهوا ببسالتهم وإصرارهم وعزيمتهم حكم الفرد.. فالشجاعة والتضحية جزءٌ منها غايتنا اليوم , فكبار النفوس والعقول وأصحاب المشاريع والمبادئ العظيمة يضحون بالجزء الكبير من حقوقهم من أجل الآخرين فما أجمل التضحية من أجل هذا الوطن ولملمة شتاته وإعادة بنائه, ورصّ صفوف أبنائه, وتحقيق أهدافه السامية؛ ليغدوا سكناً للروح والقلب.. فالمعرفة والشجاعة والتضحية تقودنا للحوار الهادئ, الذي نحن بأمس الحاجة إليه, وهو الحوار الذي ينحاز إلى القيم الكبرى, قيم الحق والخير والجمال, وينحاز إلى تكريم المواطن الصابر الرابض على تراب وطنه, وقد ضاق الأمرين مراراً وتكراراً.. فعلينا أن نضع إكليلاً من الوفاء والحب لشهداء رووا بدمائهم تربة هذا الوطن, ولجرحى مازالت تعصف بهم الأوجاع.. وننسى ذواتنا ومصالحنا الآنية لنخلّد في سفر حب الأوطان, وعلينا أن نتذكر بأن التقدم والنهوض لا يصنعه إلا الرجال الصادقون الأوفياء ممن يجابهون المجهول ويقهرون التحديات لمستقبل أوطانهم.