إنه السؤال الذي يطرح نفسه على لسان اليمنيين على اختلاف شرائحهم وثقافاتهم ومناطقهم، لا نجد له جواباً حتى عند قادة وقواعد ووكلاء تنظيم القاعدة أنفسهم، سواء في بلادنا أو لدى أعضاء هذا التنظيم الدموي في العالم كله، ليس ذلك فحسب، بل ولن نجد الجواب حتى عند المنتحر نفسه ، لأن ثمة اعتقاداً قد ترسخ لديهم أن تلك الطريق هي أقصر الطرق الموصلة إلى الجنة، أي جنة يقصدون...؟ لا أدري، لأن جنة الرحمن لا يدخلها قاتل نفسه انتحاراً فكيف بمن ينتحر ليقتل المسلمين بدون جرم ارتكبوه. سواء تبنى تنظيم القاعدة الدولي أو الإقليمي أو وكلاؤه المحليون المعتمدون في بلادنا هذا العمل الإجرامي أم لم يتبنوه ، فقد أصبح لدينا تنظيمات مستنسخة تتطابق و تتشابه والقاعدة في كل الصفات والأعمال ولا نحتاج لبيان من المركز الدولي أو الإقليمي أو المحلي للقاعدة ، لأن فرقاء الصراع والسلاح في مجتمعنا اليمني قد برهنوا كثيراً على قدرتهم العالية على القيام بما لم تستطع القاعدة القيام به ، لذلك فلا غرابة إن تبين لنا في القريب العاجل أن هذه الجريمة وغيرها السابقة واللاحقة هي صناعة محلية بامتياز ، فهل تكون الصناعة المحلية للعنف وللجريمة أكثر فظاعة وشراسة وحقداً لا دين يحكمه ولا ضمير . بأي ذنب قتلوا ...؟ هل تراهم ارتدوا عن الدين ومنعوا الزكاة واستباحوا المحرمات فعاقبوهم بما يستحقون؟ أم تراهم تمردوا على الوطن والشعب وامتنعوا عن تسليم المواقع والمعسكرات والأسلحة والأموال التي نهبوها من خزينة الدولة... فكان ذلك الجرم مبرراً للمجزرة ... ؟، أو تراهم منضوين تحت راية الجهاد الأمريكي - الإسرائيلي الموزع في كل منطقة من العالم لتنفيذ سياستهم التوسعية والاستعمارية ...كما هو الحال في تنظيم القاعدة وخدماته الكبرى للأمريكان واليهود في العالم خلال العقدين الماضيين وحتى اليوم...؟. تفجيرات الجوف الأخيرة هي الأخرى للقاعدة، لكنها صناعة محلية بامتياز ، بعد ثلاثة عقود من النفخ في البالون، استطعنا أن نكتسب خبرات عالية في سفك الدماء وصناعة الموت ورسم خارطة عملية وواقعية للدمار، الأسيويون يستنسخون التكنولوجيا أولاً بأول ونحن – ولله الحمد من قبل ومن بعد – استطعنا وبكل جدارة واقتدار أن نستنسخ تكنولوجيا القاعدة في الضربات الاستباقية والتدميرية وتجهيز الانتحاريين البواسل بما يمكنهم من أداء المهمات بدقة . إخواننا في الجزيرة والخليج - رضي الله تعالى عنا وعنهم – انتظرنا كثيراً ومازلنا وصولهم للاستثمار وتبني المشاريع الصناعية الكبرى التي تعبر عن أهداف عظيمة تقف وراء بناء واستنهاض وتنمية الأمة ، وإنقاذ شبابها من البطالة والمخدرات والقاعدة والتشيع ، إذا بنا نكتشف أن القاعدة المتواجدة في بلادنا هي إقليمية القيادة والخطط والتمويل والتنفيذ ، تسربت إلينا بعدما ضاقت بها الجزيرة والخليج، تتبعها الأمن في كل شبر فيها. القاعدة المحلية والاقليمية والدولية تبحث عن واشنطن وتل أبيب وطهران في أوردة اليمنيين وجماجمهم، الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل الموت لليهود والنصارى، شعارات ترفع فوق جثث و أشلاء اليمنيين ، لا نجد جندياً أمريكياً قد قتل أو أحد جنود المارنز الإسرائيلي قد خطف أو عمامة إيرانية قد سقطت ، الذين يموتون وتسقط عمائمهم وجماجمهم هم اليمنيون وليس غيرهم ، الخراب والدمار في اليمن وأهله، أما الأمريكان والإسرائيليون والإيرانيون فهم في مأمن من القاعدة وضرباتها الموجعة وعملياتها التدميرية . نحن في اليمن من يتوجع من ضربات وجهالات القاعدة، تتدمر بلادهم وتذهب إمكانياتهم ، هل أصبحت القاعدة أداة أمريكية يهودية إيرانية تعمل لصالح هذا المثلث بهمة عالية وقناعة كبيرة ، القاعدة المحلية والإقليمية والدولية لا تخدم الإسلام ولا المسلمين ، بل أساءت للإسلام وخربت علاقتهم بالعالم ودمرت بلاد المسلمين، يظهر أحد المعممين في بلادنا لينادي بمحاربة أمريكا في أبين، لا نستغرب أن يخرج الأب مرة أخرى أو أحد أفراد العائلة يوماً ما لينادي بمحاربة إسرائيل في حضرموت أو طهران في تعز أو بريطانيا في عدن . السؤال اليمني الخالص والغامض جداً هو: كيف تسلل الانتحاري المدجج بالحزام الناسف والمتفجرات إلى قلب ساحة العروض بالسبعين وقد كانت قبل ذلك وخلال ثلاثة عقود تعجز النملة أو البعوضة عن التسرب إليها لما فيها من أجهزة أمنية ودقة تفتيش وتتبع ورصد دقيق، أين ذهب ذلك كله؟ وأين ذهبت تلك الأجهزة بعدتها وعتادها ؟ . كانت النكتة تقول إن شيخ النمل في كل عام وقبل العرض العسكري بأسابيع يعلن في رعيته أن غيروا مساكنكم قبل أن تضايقكم وتترصدكم أجهزة الأمن الرئاسي ، اذهبوا إلى الحصبة، فإن فيها شيخاً لا يظلم عنده أحد، المحزن هو أين ذهبت ميزانيات اليمن للعقود الماضية التي رصدت لتدريب وتجهيز الرجال البواسل الذين يكون ولاؤهم بعد الله لليمن واليمنيين ، وليس لشخص أو لشيخ أو لقبيلة. ويبقى السؤال .... بأي ذنب قتلوا...؟ * كاتب وأكاديمي –جامعة عدن [email protected]