يقولون في الأمثال : ( عدو عاقل خير من صديق جاهل ) وهناك في المؤتمر الشعبي العام رغم أخطائه الكثيرة والكبيرة لا ينكر أحد أن فيه العديد من العقلاء والشرفاء أيضا ، ولكن للأسف الشديد طغت عليه شرذمة قليلة من المتطفلين والوصوليين والمتسلقين انحرفت به عن الطريق الصحيح ، وحولته من تنظيم شعبي جماهيري ومظلة انخرطت تحته العديد من التنظيمات والأحزاب السياسية التي كان محظوراً نشاطها حين تأسيسه ، إلى بؤرة ومفرخة للفساد والمفسدين ، مما أدى إلى تعدد وكثرة سلبياته وأخطائه الجسيمة .. ولعل ما حدث في العام الماضي من ثورة شبابية وغضب جماهيري عارم ضد كل أخطاء النظام السابق وسلبيات المؤتمر الشعبي لما لاقوه من ظلم وفساد أثر كثيرا جدا على حياة الناس واستقرارهم ومعيشتهم ، هو الأمر الذي أتاح لأحزاب اللقاء المشترك ولحزب الإصلاح بالذات استثمار تلك الثورة الشبابية المباركة والغضب الجماهيري والفرصة ليركبوا الموجة ويتسلقوا على الثورة ويجيروها لصالحهم ، مدعين أنهم من صنعوا الثورة وأنهم حماتها بعد أن استقطبوا بعض المنشقين من الجيش ، ولولا رحمة الله وإرادته وقليل من الحكمة وحسن التصرف والأداء السياسي لخرج تنظيم المؤتمر نهائيا من الساحة السياسية إلى غير رجعة .. وذلك لأن المؤتمر الشعبي لا يخلو من العقلاء والسياسيين المحنكين والشرفاء وكثير من الهامات الوطنية ، ربما يكون لهم القول والفعل في الحاضر والمستقبل ، ليصححوا مسار تنظيمهم ويغيرون أسلوب وطريقة ممارسته للعمل السياسي ، بدلا عن سياسة الإقصاء وحماية الفاسدين والمفسدين الذين طغوا على كل الحياة الاقتصادية والاجتماعية بل والثقافية أيضا في البلاد ، فالمرحلة تتطلب أن يصبح لشرفاء المؤتمر وعقلائه الريادة في قيادته وقمته ورسم نهجه السياسي منطلقين في ذلك من مصلحة الوطن أولا ومصلحة التنظيم ثانيا .. بحيث يصير المؤتمر أداة جذب لا تنفير ، ينخرط فيه وفي إطاره كل الشرفاء الوطنيين من شباب وشيوخ ورجال ونساء ، أما إذا ظل على ما هو عليه الآن تحت هيمنة ووصاية وإدارة من لا زالوا ينظرون إلى الشعب أنه لا زال قاصرا لم يشب عن الطوق ولا زال يحبو غير قادر على الاختيار الحر ، ولا زال بحاجة للوصاية عليه من قبلهم وما زالوا في أعماقهم يتمنون خرط العداد وإنجاح عملية التوريث بغباء لا حدود له فتلك الطامة على المؤتمر ، لأن أولئك هم من أساءوا ليس للمؤتمر ولا لقيادته بل لكل الشعب ، مما أدى وتسبب في ثورة شبابية عارمة كادت أن تقتلع تنظيم المؤتمر من جذوره ، لولا بعض الحكمة وحسن التصرف وتدخل دول الجوار ومجلس الأمن الدولي لكان حال اليمن شبيهاً أو أسوأ من حال ليبيا وسوريا حاليا .. ولذلك نأمل أن يتاح لشرفاء المؤتمر وعقلائه أن يتصدروا قيادة تنظيمهم الذي نتمنى أن يظل فاعلا في الساحة يمثل حالة التوازن مع جميع القوى السياسية وبالذات التاريخية منها كالحزب الاشتراكي والأحزاب ذات التوجه الوطني والقومي ، حتى لا تخلو الساحة لتلك القوى التي لم نجد منها إلا الشطط والتطرف باسم الدين ، والتي جعلت من الدين الإسلامي حكرا عليها وأوهمت العامة أن الجنة والنار بيدها فقط ، في شعب ومجتمع مسلم غالبيته متدين يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، تمتلئ بهم المساجد والجوامع في كل فرض وصلاة.. لكنهم يريدون إسلاما خاصا بهم يكون أوله التسليم المطلق لقيادتهم ورعونتهم ومبادئهم القائمة على التكفير وقتل النفس التي حرمها الله إلا بالحق ، تلك التنظيمات والأحزاب المتسترة بدين الإسلام التي تحرص على خداع عامة الناس بالظهور بعكس ما تضمره نفوسهم من حقد دفين على المجتمعات العربية والإسلامية سرعان ما تنكشف وتظهر حقيقتها عيانا بيانا ، والعبرة أو القياس فيما حدث ويحدث في مصر واليمن ، الذين يتسترون تحت مطالب الدولة المدنية وتحالفوا مع أحزاب وقوى سياسية أخرى انخدعت بهم ، لكنهم ما أن اقتربوا من السلطة حتى نزعوا برقع وقناع الحياء والخديعة وبينوا حقيقتهم المخيفة التي أرعبت الناس ببروز تباشير الدولة الدينية المرتكزة على الإقصاء والاستفراد بالسلطة ، بدلا عن الدولة المدنية التي ينشدها كل مواطن عربي مسلم .. دولة يتعايش فيها وفي ظلها جميع الناس متساوين في الحقوق والواجبات آمنين مستقرين ليس فيها إقصاء ولا تكفير ولا تهميش ولا إباحة لدماء وأرواح تحت ذريعة الفسق والمروق أو التخوين ، وإلا لما ثارت الشعوب ولا ثار الشباب على الأنظمة السابقة وعلى حكامه السابقين إلا ليؤسسوا حياة ودولاً مدنية صحيحة لا عسكرية دكتاتورية ولا دينية تدعي الوصاية على دين الله الإسلام زورا وبهتانا ، فأولئك المدعون غيرة على الإسلام ينكرون على أتباع المذاهب الشيعية العمل بالتقية وهم أكثر وأعظم من يعمل بها ويصطنعها ، وذلك ما حدث في مصر واليمن فما أن قامت ثورات الشباب والشعوب على الأنظمة والحكام حتى سارعت التنظيمات الإسلامية لركب تلك الثورات والتسلق عليها واحتوائها والمزايدة عليها والإدعاء بحمايتها وتجييرها لصالحهم ، حيث بدأوا يعزفون على وتر الثورة وتقمصها لا حبا في الثورة والثائرين ولا رغبة في الدولة المدنية وكرها للدكتاتورية والشمولية ، وإنما تطلعا للسلطة والحكم لينفذوا بعدها كل أجندتهم التي لم يتأنوا حتى تصير خالصة لهم حتى بدأوا يبرزون أنيابهم ويقصون من يريدون من القوى السياسية والمدنية الأخرى الأمر الذي دفع بمن لا زالت بيدهم مقاليد الأمور في مصر أن يوجهوا للإسلاميين هناك صفعتين مدويتين عن طريق المحكمة الدستورية بحل البرلمان الذين كانوا قد استحوذوا على الأغلبية المطلقة فيه ورفض قانون العزل السياسي الذي أرادوه أن يكون كلمة حق يراد بها باطلا .. وبلا شك أن حالهم في اليمن لا ولن يختلف عن حال أقرانهم في مصر بل قد قد يكونون أسوأ ، لأنهم ومنذ الآن وقبل أن ينفردوا بالسلطة بعيدا عن حلفائهم في المشترك يمارسون أفعالاً لا تخدم الديمقراطية ولا سياسة الوفاق الوطني الذي دعت إليه المبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن ، ومن خلالهم لا يمكن أبدا أن تأتي الدولة المدنية المناقضة لدولة العسكر ومشايخ الإفتاء دعاة الخلافة الذي لم تنجح وكانت مثالا طيبا لحكم الإسلام إلا في عهد الرسول محمد صلوات الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما .. وحتى لا نقع في ( الخية ) أو المطب الذي وقع فيه إخواننا المصريون فيأتونا الإسلاميون ومن يواليهم ب (فزاعة) العسكر وبقايا النظام يجب أن تتنبه كافة القوى السياسية الوطنية في الساحة اليمنية فتتحالف وتتآزر لتشكل سدا منيعا أمام إنتاج نظام شمولي كالسابق أو نظام ديني سيكون أسوء مما سبق وسيعيدنا إلى قرون مضت إلى عهود الظلم والظلام ، عهود قتل فيها الإبداع والمبدعين والعلم والعلماء .. ولذا أقول: أن تطهير تنظيم المؤتمر الشعبي من تلك الطفيليات التي علقت به ومن الفاسدين والمفسدين إنجاز وعمل وطني لا يخدم تنظيم المؤتمر فحسب وإنما يخدم الصالح العام للبلاد والعباد ، ويدخل ضمن إطار خلق وإنشاء الدولة المدنية التي يتطلع لها غالبية الشعب ، فهو أي المؤتمر رغم كل أخطائه وسلبياته من وجهة نظر خاصة أفضل مئة مرة من أحزاب وتنظيمات لا تنتج إلا الدمار والعداوة والبغضاء ، ولا تجيد إلا التكفير والتخوين فقط لا غير .. فهم يسيرون وفقا لمقولة كان يرددها ( دالاس) وزير أسبق لخارجية أمريكا وهي ( من ليس معنا فهو ضدنا ) وهؤلاء من ليس معهم فهو ضدهم وكافر وفاسق وملحد ومارق ، فهم الآن يتحالفون بحكم الضرورة وبالأمس لم يكتفوا بتكفير قيادة وأعضاء الحزب الاشتراكي فقط ولكنهم كفّروا كل مواطني المحافظات الجنوبية بل وأباحوا دماءهم وأرواحهم ، فهل مثل هؤلاء يؤتمنون على مصائر أمم وشعوب ؟ وهم لا يحترمون لا عهود ولا مواثيق إلا بقدر مواءمتها لمصالحهم ؟.