لم تنته الثورة بعد, ثورة التغيير مستمرة بإصرار اليمنيين التواقين لنسيم الحرية وعبير الكرامة, بعنفوان وصلابة اليمني وإيمانه بقيم الحق والعدل والخير.. خرج الجميع إلى الميادين نشداناً للسلام والأمن والاستقرار, تحقيقاً لمبدأ المواطنة والفرص المتساوية, أن لا فرق بين ابن الجنوب أو الشمال, ابن السهل أو الجبل, ابن حجة أو المهرة.. ثورة قام بها من يتطلع إلى أدنى سُبل العيش برفاهية في وطن يدخر في باطنه وبحره كنزاً من الخيرات والثروات.. وصدّق بها من يريد أن يرفع عنه الظلم, أن ينتهي عصر الاستبداد والحكم الجهبوي العصبوي, ويبدأ حكم الإنسان المتحرر, الإنسان المؤمن بالديمقراطية وأسسها, في ظل تعددية تؤمن بالآخر, فيها تكافؤ الفرص لخدمة هذا الوطن أرضاً وإنساناً.. وأتبعها الحالمون بمستقبل زاهر لأبناء هذا الوطن فيه يتنافس المتنافسون لخدمة بلدهم, والرقي به كائناً من كان وفق منظومة من السياسة والخطط, التي تجعل من الجميع شركاء, لهم ما لهم, وعليهم ما عليهم من حقوق وواجبات, لا فرق بين نسب وآخر, وقبيلة وأخرى, ومحافظة وسواها, وحزب وما عداه.. فالثورة لم تكن مشواراً مختصراً أو طريقاً سهلاً يسهل اجتيازه والوصول به إلى مبتغانا بتحقيق أهدافنا؛ بل هي سلسلة متصلة من الأهداف والخطط والبرامج التغييرية, التي يجب أن نقبل بها ونستوعبها, وأن نتقبل هموماً أخرى تعتور مسيرتنا التغييرية, فمهما تخلّصنا من هموم صغرى لا بدّ أن تعترضنا هموم أكبر منها.. وهذا هو الحاصل اليوم فالدم مازال ينزف هنا وهناك, الانفلات الأمني والتخبط والضربات الموجعة نتلقاها من حين إلى آخر, فكل يوم نودع شهيداً, وندفن ضحايا, ونتلقى شائعات, ونكشف مؤامرات وشبكات مخابراتية وتجسسية وخطط تدار لعرقلة مسيرة الثورة المباركة, وطريقها للتغيير والإصلاح والبناء.. كل ذلك متوقع, وقد استقر في أذهان الثائرين وقلوبهم بأن لا بد من التضحية, وبذل الغالي والرخيص, لتستمر الرحلة التغييرية إلى نهايتها, وهذا هو ديدن الثورات, وخطها الذي من الممكن أن يتشعب ويتعدد, وتتعدد مراحله وظروفه.. وهي رحلة يتقاعس فيها البعض, ويسقط عنها البعض الآخر, ويحيد عن ركبها الكثير.. لكن ما ينكئ الجرح, ويحزن القلب, ويحز في النفس أن ينجر بعض أبناء الثورة إلى معارك جانبية, ومعارك لا يراد منها إلا تقويض الثورة والعبث بعذريتها, والعمل على اغتصابها, بل وقتلها وسحلها حتى لا يفكر الإنسان هنا مرة أخرى بالثورة, أو التمرد أو الحركة, أو حتى مجرد التفكير في صنع ثورة والمضي بها أو العمل على تغيير واقعه.. فالوطن وثورته يمران بتحديات صعبة وفتن تكاد تعصف بالجميع, لوجود من يناضل ويكافح لتسود الفوضى, ويعم الفساد ويطغى القتل والسلب والنهب والدمار, بل هناك من يعمل على تفتيت كل ذرة وحدة وطنية, فينشر غسيله الدموي بين الناس بصور شتى وطرق ملتوية, ليعيد بهم عقوداً وقروناً من التخلف والجهل والاستعباد.. فما معنى استجرار النعرات الطائفية لتتصدر المشهد السياسي بأن يمنع المصلون من أداء صلاتهم في صعدة مثلاً؟ التركيز الإعلامي المقيت والمخيف على ملاسنات السب والشتم والتنقص والتخوين, وغيرها من الحوارات العقيمة التي يراد من ورائها استمرار التمزق والتشتت والتشرذم, لإبعاد المجموع وإلهائهم عن أهداف ثورتهم.. وتخويفهم بالمشاريع التي تريد بناء وطن يقوم على المحاصصة و المناطقية, وهي مشاريع لا يمكن أن يتقبلها اليمني, أو يرضى بها بديلاً عن أهدافه وطموحاته وقيمه وموروثه المتجذر في وحدويته وهويته, التي لن يزايد عليها أحد خصوصاً الممسوسين والمصابين بعقد الماضي فُشلّت أفكارهم, فجعلتهم يحلمون بسذاجة مفرطة بأنهم سيعودون ليذلوا الإنسان هنا, بعد أن ساموه سوء العذاب من قبل, وهو حلم بعيد المنال إن شاء المولى وشاءت مسيرة ثورتنا وعزيمة إصرارنا الجبار..