في مقيل جمعني مع بعض الشباب منهم من كانوا في ساحات الاعتصامات ، فوجئت بتساؤل مطروح من أحدهم يقول أو كأنه يطلب رأيي الشخصي فيما يترد أو يقال أن ثورة الشباب التغييرية لم تكن ثورة وإنما هي شيء أشبه بالانقلاب على السلطة التي كانت قائمة قبل ذلك ، فكانت إجابتي على المتسائل ومن معه من الحاضرين ، بأن ثورة الشباب كانت بصدق ولا زالت ثورة مباركة تفاعل معها كل الشعب وأيدها بكل فئاته وتنوعاته .. وذلك على أمل أن يتخلص المواطن اليمني من فساد السلطة وعبثها ، وتحقيق كل المطالب الشبابية في التغيير الجاد والمثمر في كل مناحي الحياة العامة وفي كل مفاصل السلطة ،ولكن كما يقول المثل ( يا فرحة ما تمت ) فقد تكالبت عليها كل القوى السياسية والحزبية بكل سوئها وإحباطاتها وعقلياتها الانتهازية التسلطية لتلتهم الثورة وتنقلب عليها وتجيرها لمصالحها وطموحاتها وأطماعها ، فكان الشعب وشبابه معها كالمستجير من الرمضاء بالنار .. وكان فعلها، أي تلك الأحزاب وهيمنتها على الثورة الشعبية الشبابية هو الفرج والمخرج للرئيس السابق صالح من النفق الذي أدخله فيه الشباب بثورتهم المباركة ، حيث قد كان عاجزاً كليا أن يلبي أو ينفذ كل مطالب الشباب الثائرين ، وعاجزاً حتى عن أن يدخل في حوار جاد معهم يؤدي إلى تنحيه عن السلطة ويضمن لنفسه ولأسرته وأعوانه السلامة من المساءلة أو المحاكمات ، لذا فما أن رأى سيطرة أحزاب اللقاء المشترك وحلفائهم على مسار الثورة الشبابية والتهامهم لها حتى تنفس الصعداء .. لإدراكه وتجربته الطويلة مع تلك الأحزاب وأنه قادر على جرهم إلى مربعه وأن يلعب معهم ويلاعبهم وفقا لمشيئته ، لثقته أنهم لا همّ لهم ولا هدف إلا الاستيلاء على السلطة أو حتى المشاركة فيها ، وعلى هذا الأساس لا عبهم وداورهم بأسلوب الشد والجذب والرضا والممانعة حتى نتج عن كل ذلك تلك المبادرة الخليجية وقراري مجلس الأمن ليساومهم أيضا حول التوقيع عليها ، ولم يوقع على تلك المبادرة إلا بعد تأكده أن الطبخة نضجت واستوت ، حيث سارعت تلك الأحزاب التي كانت معارضة للتوقيع وكأنها حازت على كل مناها ، بينما في واقع الحال أن الكاسب الحقيقي والأكبر من كل ذلك هو ( صالح ) لا غيره .. فقد كسب لنفسه الخروج من السلطة خروجا مشرفا قياسا لما حدث لغيره في تونس ومصر وليبيا بل ضمن أيضا مشاركة حزبه في كل مفاصل السلطة وبقاء حزبه وبرئاسته لاعبا أساسيا في الساحة اليمنية ، وقبل هذا وذاك ضمن لنفسه ولأسرته وأعوانه الحصانة من أية مساءلة أو محاكمة ، ووافق أعضاء مجلس النواب على قانون الحصانة ، وفاز بها صالح رغم المعارضة الشديدة من قبل شباب الساحات ولكن ما بيدهم حيلة فقد سلبوا قوة الفعل ونهبت ثورتهم وجيرت لصالح غيرهم من كهول وشيوخ الأحزاب ومشايخ القبائل ومشايخ الفتوى .. وكان ذلك هو الانقلاب الحقيقي على الشباب وثورتهم ، حيث أصبحوا مجرد واجهة لثورة حسبت عليهم واستفاد منها آخرون ، وصار الشباب ليس لهم دور أو مهمة إلا منح صكوك الغفران وشهادات التقدير لعلان أو فلتان من كهول وشيوخ القوى السياسية والقبيلة والعسكرية ، من يدعون وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذلك ، بحكم أنهم، أي أولئك الكهول المتشعبطون بالثورة حموا الثورة ، بينما هم بحقيقة الأمر لم يحموها من النظام السابق وأركانه ولكنهم حموها من الشباب ليس إلا أصحاب الفعل الثوري ، ومن طيشهم وانفعالهم الذي لا يتلاءم ولا يتوافق ولا يخدم مصالح الأحزاب في الساحة اليمنية ، التي لها حسابات أخرى مغايرة لحسابات الشباب وتطلعاتهم الثورية التغييرية .. وبدلا من أن يكون الشباب بكوادرهم الكفوءة والقادرة والمؤهلة هم من يجنون ثمار الثورة فيتبوأون مناصب السلطة وقيادتها لتحقيق طموحاتهم ومطالبهم العادلة ، صار الكهول و(حيزبونات) وشيوخ الأحزاب والقوى السياسية العتيقة هم من يتربعون على كراسي السلطة ويحاصصون بها ويسيّرون الأمور وفقا لمصالحهم ومصالح من يسيرونهم من وراء الحجب ، ورغم كل ما حصل مع الشباب وثورتهم إلا أنهم يكفيهم فخرا أنهم حركوا المياه الراكدة ، وصارت البلاد رغم الطفيليين والمتسلقين تسير نحو أفق أرحب ومستقبل واعد إن شاء الله تعالى ، وحوار وطني لعل الله يجعل فيه الفرج والمخرج من كل المعانات السابقة واللاحقة .. ويهيئ لنا من أمرنا فرجا ومخرجا ، وجزى الله الشباب الثائر المغلوب على أمره عنا وعن الوطن وكل الشعب كل الخير والفلاح حاضرا ومستقبلا ، فهم أمل الحاضر وصناع المستقبل الواعد إنشاء الله رضي بذلك الكهول المعتقون الذين انتهت صلاحيتهم منذ عقود مضت أم أبوا ، لأنهم مهما طالت أعمارهم فهم راحلون ، والبقاء لن يكون إلا للشعب وشبابه الطموح الثائر ، ولن تنفعهم صكوك الغفران التي يستجدونها من بعض الشباب بين آونة وأخرى بادعاء خدمة الشباب وحمايتهم بينما هم بحق وصدق أس البلاء الذي يعيق مسيرة الشباب وطموحاتهم التغييرية .. بينما أنهم، أي أولئك الكهول المتمسكون بالكراسي والسلطة لو أرادوا خيرا وهم صادقون لتركوا مواقعهم وتنحوا للشباب ليتيحوا لهم إثبات جدارتهم وقدرتهم على تحمل مسئولية إدارة البلاد والسلطة ، والنهوض نحو النماء والتنمية والقضاء على البطالة والفقر وكل المطالب التي رفعوها عند بداية ثورتهم ولم يتحقق منها شيء رغم مضي أكثر من عامين على الثورة . رابط المقال على الفيس بوك