خلال شهر رمضان المبارك يحلو لي زيارة الأسواق الشعبية في المدينة القديمة ففيها عبق الماضي وحركة الناس التي لاتهدأ وتكل خاصة في النهار ,وكلما استدعت حاجة لي أريدها من السوق أسارع إلى الذهاب إلى تلك الأماكن بصحبة أبنت أختي ذات العشرة الأعوام وفي كل مرة نذهب إلى تلك الأماكن تظل الصغيرة تتأفف من الروائح الكريهة المنبعثة من القمامات الممزوجة بمياه الصرف الصحي المتفجرة في هذه الحارة وهذا الزقاق وذاك الشارع حتى يخيل للمرء انه لايوجد ممر او طريق ألا أصبح مكب لقمامات وتجمعها ,وتسألني الصغيرة عن السبب في هذا العبث الذي لايعبث بأريحية المكان الممتلئ بالآثار التاريخية خاصة الدينية والأسواق القديمة الضيقة التي هي مهوى ومقصد السياح بل ويعبث بأرواح الناس أنفسهم وبصحتهم الجسدية والنفسية خاصة الجسدية فاعجز عن الرد عليها في كل مرة وأقول لها السبب إن الناس فقدوا حاسة الشم والنظر وأصيبوا بلامبالاة تجاه حواريهم وشوارعهم وجعلوها برميل قمامة مفتوحة لكل من هب ودب. قد تفهم الصغيرة فحوى ردي ام لا المهم في أنها تصمت وتضع يدها الصغيرة على انفها حتى لاتنفذ إليها هذه الروائح النتنة الكريهة. فإذا كان هذا حالنا ونحن فقط نزور هذه الأماكن بين الفينة والأخرى فكيف هي حال الناس القاطنون فيها خاصة وإنها تعتبر من أماكن البيع والشراء التي يأتي إليها الناس من داخل المدينة والقرى المجاورة لها ,أما إن الناس تعودوا على هذه المظاهر السيئة كما تعودوا على كل شئ في حياتهم المليئة بالشقاء والانتظار . المشكلة الثانية والمقلقة أيضا إلى جانب هذه القمامات وجود الدرجات النارية التي غزت هذه الإمكان حتى الضيقة منها والطريقة السيئة جدا التي يتعامل بها سائقوها مع الطريق والناس حتى وصلت إلى حد المضايقات والتحرشات اللفظية والاعتداء أما بالسرقة ام بمحاولة التقرب بطريقة مشينة من امرأة أو فتاة تسير في طريق فرعي ليس فيه الكثير من المارة خاصة مع انطفأت الكهرباء . كل هذا يحدث بمرأى ومسمع قيادات المحافظة وأمنها بالرغم من أن محافظ المحافظة طيلة لقاءاته الرمضانية بشخصيات قيادية سياسية واجتماعية يؤكد على إن من أهم أولوياته منذ تولية منصب المحافظ لتعز هي النظافة واستتباب الأمن .ومر الشهر ولم يتبقى منه ألا أيام معدودات وأصبحت معه أهم حواري وشوارع وأسواق تعز سؤ المركزي او التحرير او الجملة او الباب الكبير او 26برميل قمامة مفتوحة ومياه الصرف الصحي ي كل شارع تقريبا والأمن بحاجة لمن ينقذه من الانفلات الذي يعاني منه أهل المدينة خاصة من الدرجات النارية وسائقيها الذي فقد البعض منهم القيم والأخلاقيات الحميدة فأصبحوا جزء من العبث الذي يجعل الواحد منا يرى في تعز عجب العجاب وحدث ولأحرج. الناس ي المدينة يشعرون باستياء كبير من الفوضى التي صار إليه حال المدينة وهم يشاركون فيه بسلوكياتهم السيئة وصمتهم عن ذلك ولكن هذا يعني ان عدم الإحساس بالمسؤولية من قبل الجميع تعز تخطو الى مصير سئ جدا وستتفجر عما قريب فيها كارثة إنسانية صحية وبيئية وأخلاقية سيعاني منها الجميع لان الجميع معرضون لها . متى سيدرك الناس ان حياتهم غالية ومرتهنة بالحاضر والقادم وإنهم هم الذين يصنعون التغيير إلى الأفضل وليس القيادات السياسية والحزبية الموجودة حاليا في الساحة والذي مازال البعض منهم يفرح ويفاخر بحمل لقب شيخ المرتبط بثقافتنا الشعبية بثقافة ال33عاما الماضية أي انها ألقاب ترمز الى التخلف والعهنجية والهمجية؟متى سيدرك الناس ان الصمت مع الأيام يغدو جدران عالية عازلة ستجعلهم يتجرعون الشقاء والأمراض والعار الناتج من الحوادث التي يمارسها سائقي الدرجات النارية والبلطجية المسلحة من أحزاب لها مصالح في بقاء الفوضى في المدينة ؟ متى سيدرك الناس انه سيأتي يوما لن يقوا على الرجوع من منازلهم لأنهم سيصابون بأمراض خبيثة وغريبة وستفشل كل جهود التنمية المستدامة في تحقيق الحياة الحرة الكريمة لكل مواطن يسكن المدينة. ومتى سيدرك محافظ تعز وقائد أمنها ان تعز منهكة موجوعة أنهكتها 33 سنة وأنتهكها أكثر الصراعات الحزبية التي تحاك فيها للوصول الى تحقيق منجزات لها وليس لمدينة وسكانها ؟ أذن علينا جميعا ان نعمل من اجلنا واجل تعز علينا ان نعود الى إنسانيتنا لنعي ممارستنا السيئة تجاه حياتنا وحياة أولادنا الصغار والذين سيأتون لاحقا وتجاه البيئة التي نعيش وسيعيشون فيها وتجاه ماضينا بآثاره التي تحكي تاريخ امة ومدينة .وعلينا الاننتظر كثيرا تفاعل المسؤلين والقيادات بالمحافظة فقد كنا جزء من الماضي وجزء من الحاضر الحالي وحسبنا ان نتعلم من تجارب الحياة لندرك انه مايحك جلدك الاظفرك.... كلمات: كيف أرثيك واكتب فيك قصائد الرثاء وأنا مازالت في حلمي العتيق بان أكتبك أغنية لكل العشاق لكل الحياة.. ولكنك بعد حلم السنين صرت أكثر شيخوخة وأكثر بؤس وأكثر شقاء أي مدينتي المنهكة المنهكة من وجع السنين مازالت احلم بك ومازال حلمي يراك في كل ليلة عروس عروس ترفلين بثياب ملونة بألوان قزح تعطرين بروائح المسك والعنبر والفل.. مازالت احلم واحلم إلى متى ؟ لست أداري؟