نصف قرن من الزمان.. واليمن لم تعرف طريق الدولة المدنية الحديثة.. بل اختلط عليها الحابل بالنابل بسبب الأنظمة الدكتاتورية الشمولية، والحكم الفردي المستبد.. رغم ان اليمنيين أطاحوا بأعتى نظام إمامي كهنوتي مستبد عرفه اليمن قديماً.. قدم فيه أبناء اليمن الشرفاء الأحرار أغلى وأثمن ما يملكون من فداء وتضحيات من أجل الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية.. توالت على اليمن طيلة خمسين عاماً أنظمة وحكام وقادة عديدون، منهم مدنيون، ومنهم عسكريون، ومنهم بين بين.. وكلهم للأسف الشديد ساقوا اليمن الى مهاوي السقوط المروع ماعدا فترة حكم الرشيد في عهد الشهيد ابراهيم الحمدي -رحمة الله عليه- فكان يحمل مشروعاً حضارياً مؤسسياً لبناء الدولة اليمنية الحديثة يحقق من خلاله أهداف الثورة السبتمبرية الخالدة.. ولكن شاء له القدر أن يرحل قبل تحقيق طموحه الوطني العظيم، لأن أيادي الغدر والخيانة كانت له بالمرصاد.. ولكن الأيام القادمة ستفصح وتكشف من وراء اغتيال ابراهيم الحمدي فالتاريخ مهما تقادم أو تصادم فلابد أن يأتي اليوم الموعود وتظهر الحقيقة شاخصةً للعيان.. لأن الأحداث والثورات مهما كانت فهي مرهونة ومرتبطة بأجندة داخلية أو خارجية يقف وراء تنفيذها الخونة والعملاء واللقطاء.. وهم دائماً لايقتاتون إلا من موائد أسيادهم وكبرائهم.. ولنا هنا تساؤل رغم زخم الأحداث والأزمات والثورة التي تعيشها اليمن اليوم: هل استطاعت الثورة الأم تحقيق أهدافها الستة التي قامت من أجلها..؟! وهل استطاعت أن تسير على الخط الثوري الذي سار عليه الاحرار والشرفاء الأوائل..؟! المتأمل اليوم في أوضاع اليمن وما تعانيه من أزمات خانقة، وانفلات أمني، وتدهور اقتصادي كاد يهلك الحرث والنسل ليشعر بالخطر الداهم في حالة فشل الحوار الوطني المزعم عقده خلال الأيام القلائل القادمة -لاسمح الله-. وها نحن نحتفي باليوبيل الذهبي للثورة الأم، وهناك بقايا من فلول الظلاميين الإماميين الكهنوتيين الذين يحاولون ارجاع عجلة الزمن الى الوراء.. مستغلين ما تمر به البلاد من أزمات وأوضاع اقتصادية وسياسية وأمنية.. ولم يكتفوا بذلك بل بدؤوا بإشعال الفتن المذهبية والنعرات العرقية في معظم محافظات الجمهورية حتى يشعروا الرأي العام بأهمية قضيتهم، وبأن لهم رقماً سياسياً فاعلاً عن طريق شعاراتهم وملصقاتهم المنددة:« الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل».. هذه الشعارات الهلامية التي ترفعها بقايا الكهنوت القديم كان يحق لها أن توجه فوهات بنادقها الى صدور اعدائها في الخارج وليس الى صدور ابناء جلدتها في حجور حجة والسودة وخمر عمران.. كل هذه السيناريوهات المفبركة التي يقوم بها الظلاميون الإماميون ضد ابناء وطنهم مدفوعة الثمن من قبل أجندة خارجية تقف وراءها.. كل ما تسعى اليه اضعاف هيبة الدولة وخلخلة مؤسساتها الأمنية، واشاعة الفزع والرعب والخوف في أوساط المجتمع.. وعرقلة أو اعاقة انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الذي يمثل صمام أمان لليمن الجديد، والانتقال الى وضع مبادئ وأسس الدولة المدنية الحديثة.. ان مرور 50 عاماً من عمر الثورات والشعب ليس بالأمر السهل.. بل يحمل في طياته محطات مهمة.. ومواقف في غاية الأهمية لأنها تمثل مرحلة تاريخية من عمر الشعوب في شتى المجالات: سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، ثقافياً، تنموياً.. فالشعوب لاترتقي إلا بارتقاء ثوراتها الهادفة الممنهجة نحو اخراج شعوبها من أزماتها، وانتشالها الى وضع أفضل.. علينا أن ندرك أن ثورات الشعوب دائماً هي الدينمو المحرك للتغيير نحو البناء الحضاري والثقافي والفكري المقاوم لثقافة الأنظمة المتداعية المتهاوية.. وهذا يتوقف على النخب المثقفة والأكاديميين والعلماء والأدباء والشعراء.. وأساطين السياسة وخبرائها.. وهذا يحتاج الى سنوات طوال.. ولكن آلاف الأميال تبدأ بخطوة واحدة.. اذا كانت هناك عزيمة وإرادة ونية صادقة لبناء اليمن الجديد..!!