على ضوء قنديل انطفأ لاحقاً بعد نفاد الزيت جلسوا جوارها يودّعون آخر أنفاس ضوء قنديلهم الجائع مثلهم يحاصرهم بعدهُ الظلام الذي تكسرهُ بين الفينة والأخرى ألسنة النار المشتعلة في الحي.. تحجرت عيونهم يرتعدون خوفاً وبرداً في شتاء قاس زادت من قسوته طلعات القصف المستمرة منذ ما يقارب الأسبوع، التفوا حول ذاك القنديل المنطفئ يحتضنون أمهم المذعورة، يأملون منها أن تلتمس لهم نوراً.. لكن لا نور هناك، فقد نفد الزيت ولم يعد هناك شيء منه في السوق؛ بفعل الحصار الخانق لم يتمكنوا من النوم منذ بدء العدوان الغاشم.. كانوا متعبين وأصوات الانفجارات تطرد النعاس وتباشير أحلام السلام من أعينهم، لم يكن في حسبانها أنها وصغارها على موعد مع نوم أبدي في تلك الليلة المباركة.. ليلة استشهادهم. سارة.. إبراهيم.. جمال.. يوسف، كلهم أطفال عائلة واحدة هي عائلة الدلو، كانوا وأمهم وكامل أفراد الأسرة في موعد للقاء الرحمن، لقاء الراحة الأبدية في رحمة من أحب لقائهم، فأخذهم إليه لينهي عذاباتهم المستمرة من خنوع وذل أُمة كانت يوماً ما تجيّش الجيوش وتسيّرها حتى آخر الدنيا لصرخة... وامعتصماه!! لم تكن عائلة الدلو وحدها على ذات الموعد فقد لحقتها عائلات كثيرة تباعاً كانت على ذات موعد الشهادة المقدس. إسرائيل اليوم كعادتها في كل عدوان تستهدف المدنيين وبشكل متعمد في محاولة لإيقاع الخوف والرعب والهلع في قلوب أبناء غزة الصامدين حتى اليوم، رغم سنوات الحصار الخانقة والاجتياحات المتتالية والعدوان، ويرجو قادتها بذلك العودة للمنافسات الانتخابية بنصر يكبر في عين الناخب الإسرائيلي كلما زاد الدمار والدم في غزة، فتمحو من ذاكرتهم صور سكان تل أبيب المذعورين من صواريخ المقاومة التي بدت أكثر ثقة اليوم بل وحطمت في قلوبهم طمأنينة الدرع الفولاذي. حتى الإعلاميين لم يسلموا من الاعتداءات في محاولة إلى محو كل ما يوثق جرائمها في القطاع فيسبب لها حرجاً دولياً. غزة اليوم تنزف دماً، تحترق، وعلى الرغم من ذلك مازالت صامدة تخوض معركتها نيابة عن كل العرب، وتنتظر فصائلها المقاومة في الميدان دعماً منا يتخطى مرحلة القول إلى الفعل خاصة بعد ربيع الثورات في المنطقة. في اليوم الأول للعدوان بدأ رد الفعل الرسمي المصري قوياً، حتى إن لم أصدق حين سمعت خطاب مرسي الثورة أن هذا الخطاب لزعيم عربي، لكن كلماته القوية ما لبث وخف وقعها على أرض الواقع. حدثت القمة المستعجلة وتأملنا كافة والغزاويين خاصة أن تكون غير كل قمم الماضي البعيد القريب، خاصة بعد رياح الربيع العربي، غير أنها وللأسف كانت أشبه ما تكون إلى منافسات خطابة ومبادرات استعراضية لا أكثر، بل وتكلف المقاومة والسلطة في غزة عناء استقبال تلك الوفود الرسمية الخالية الوفاض إلا من ملبسها الرسمي فقط. حتى الخطابات باتت متباينة حتى على المستوى الشعبي، وبعيداً عن الحكومات جاء تفاعل الشعوب مع العدوان مخيباً للآمال، ولم يزد عن مشاركة أو أكثر في أحسن الأحوال على صفحات التواصل الاجتماعية، حتى خروجهم اليوم إلى الشارع للضغط على حكومات الربيع لم يكن بزخم خروجها التمثيلي سابقاً لحفظ ماء وجه كراسي العار والذل آنذاك. فكيف لعملاق الشعوب العربية الثائرة التي انتفضت وكسرت قيود الخوف وجدران الصمت أن تخيب آمال وصمود غزة معركتنا الأولى والأخيرة؟ كيف آن لها أن تعاود قمقم الصمت والنوم وكأنما لم يوقظها أو ينطقها ربيع، على الرغم من أن غزة لم تطلب الكثير فقط: أعيرونا مدافعكم.. لا مدامعكم..!