لوحظ في الآونة الأخيرة بأن الكتابات السياسية المحلية هي الأكثر انتشاراً على صفحات صحفنا اليمنية الحزبية والأهلية والرسمية.. ونادراً ما تزاحمها كتابات هادفة وذات طابع اجتماعي، وهنا تكمن «المعضلة»؛ فالصحف اليمنية وبعد ثورة فبراير التغييرية ركزت واهتمت بالجانب السياسي، وأهملت الجانب الاجتماعي، وما احتواه من قضايا هي الأشد خطراً وفتكاً من القضايا السياسية، ومنها المجاعة والتي أضحت ظاهرة فتاكة يعاني منها نصف سكان اليمن وذلك وفقاً لما جاء في إحدى التقارير الإخبارية لقناة «العربية».. وعندما ورد هذا الخبر إلى مسامعي وشاهدت عيناي صورة وما تضمنته من مشاهد لأطفال يمنيين جياع وهزيلين.. في البداية لم أصدقه، وأقنعت نفسي بأنه مجرد خبر، وقد تمت المبالغة فيه.. ولكنه فيما بعد أصبح بالنسبة لي ليس «مجرد خبر» وإنما «حقيقة» مصدقة لدي؛ وذلك عندما شاهدت أحد البرامج لقناة فضائية يمنية، والذي كان مخصصاً لمناقشة الصراع الدائر في سوريا، وفي أثناء سير فعالية النقاش والحوار إذ بمقدم البرنامج يستقبل وعبر الهواء مباشرة مداخلة لأحد الأشقاء السعوديين.. وفيها تحدث أولاً عن القضية السورية، ومن ثم أشار في مداخلته إلى أن هذه القضية وكثرة الحديث عنها جعلتهم ينسون ما يعانيه إخوانهم اليمنيون من مجاعة تكاد تأكل أجسادهم وتنتزع أرواحهم، ولقد أنهى مداخلته بتوجيه دعوة إلى كافة الجمعيات الخيرية السعودية بالعمل على فتح باب التبرعات من أجل مساعدة اليمنيين في مواجهة وحش المجاعة، ووجه أيضاً دعوة إلى مقدم البرنامج بأن يخصص برنامجاً آخر لمناقشة قضية المجاعة في اليمن. والغريب أن هذه القضية لم يتم التطرق إليها وبشكل أعمق وموسع ومن قبل إعلامنا المحلي، والتي أصبحت توجهاته سياسية أكثر مما هي اجتماعية، وتتطرق إلى معاناة المواطن اليمني، مما أدى هذا التوجه إلى جعل الإجابة على الأسئلة المتعلقة بقضية (المجاعة في اليمن) مبهمة وغير واضحة المعالم.. ومن بين هذه الأسئلة سؤال ما هي العوامل الحقيقية التي ساهمت في بروز ظاهرة المجاعة في الوقت الذي لا يعاني اليمن من حرب أهلية؟.. وهل اكتظاظ الشوارع بالكثير من المتسولين (أطفال ونساء وكبار السن) هي من مفرزات هذه المجاعة.. وإن كانت المجاعة موجودة فعلاً فهل من إجراءات اتخذت من قبل حكومة الوفاق الوطني لمحاصرة المجاعة والحد منها؟.. أخيراً أتمنى من كتابنا الأجلاء المحترمين بأن يتخلوا مؤقتاً عن كتابة المقالات السياسية والاهتمام قليلاً بكتابة المقالات التي تناقش أبرز القضايا الاجتماعية والتي يعاني من ويلاتها المواطن اليمني؛ فكثرة العك في السياسة (يفسد ولا يصلح)، فمثلاً هناك مقالات سياسية وذات نهج هجومي ومستفز وهدفه الإضرار بالوطن.. كما أنه لا يعتمد على أساليب الرصانة والتهدئة والاعتدال ومراعاة الوضع الحرج والذي يعيشه الوطن اليوم والمرشح للانفجار في أي وقت.. وهذا لا يعني بأني ضد هذا النوع من الكتابة.. بل على العكس، ولكن هناك أولويات لقضايا يجب الاهتمام بها وتخصيص مساحة لعرضها ومناقشتها وتفنيد محتواها وطرح معالجات ومقترحات لها، وخاصة القضايا المزمنة والمتعلقة بالجانبين الاجتماعي والاقتصادي. رابط المقال على الفيس بوك