ضمن السياسات التي اتبعتها بلادنا لمكافحة الفساد إنشاء هيئة عليا لمكافحة الفساد.. وصار لهذه الهيئة عدة سنوات لكن دون أن تظهر لها أية نتائج مبشرة، أو نتائج مؤشرة على فاعليتها سوى بعض التظاهرات الإعلامية، والنشاطات التي يسمونها توعوية ضد الفساد بهدف إشراك المجتمع في مكافحة الفساد، وظلت حدود الهيئة العليا في حدود أمانة العاصمة، فبعد سنين مضت لم تمض الهيئة قدماً في تغطية محافظات الجمهورية، ومديريات المحافظات بإنشاء فروع في المحافظات، وتوابع لها في المديريات، فالفساد زاد، وفي أوج مجده وعزه ونشاطه، وعلى “عينك يا مكافحة الفساد” أو كما يقال: “أعلى مافي خيل الهيئة تعمله” ولا أحد سائل بها!! إن «مكافحة الفساد» لا يكفي أن تشكل له هيئة عليا من عشرة أو أثني عشر، أو خمسة عشر شخصاً.. ليس لهم علاقة بالموضوع من حيث الاختصاص وكل مؤهلاتهم عبارة عن تمثيل حزبي في هذه الهيئة، المسألة التي جعلت هذه الهيئة لا يزيد عن ديكور، ولم تعمل بجدية، ومصداقية في مكافحة الفساد.. لأن الفساد أكبر وأقوى من أن تنال منه الهيئة. أما المصداقية والجدية في مكافحة الفساد فكان يكفي أن تحرك كل الملفات المدفونة في الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وفروعها في المحافظات إلى نيابات ومحاكم متخصصة تنشأ لاستكمال الإجراءات القانونية، عبر نيابات مالية، وإدارية، وفنية.. وإحالة تلك الملفات إلى المحاكم الاختصاصية، والتي يجب أن تكون أحكامها باتة، وعلى ألا يتدخل في عمل الجهاز ونياباته ومحاكمه أي أحد كائناً من كان بهدف التعطيل وحماية الفاسدين ، واسترجاع الأموال العامة، وتصويب الإدارة للأفراد والإدارة الفنية في أجهزة الدولة. إن الفساد ليس مالياً فقط، لكن هناك فساد إداري، وفني وقانوني، ونظامي، وهو لا يحتاج إلى عناء بحث، فهو واضح كالشمس في رابعة النهار، ويجري في جسد الأجهزة الحكومية وعروقها، ومفاصلها جهاراً ونهاراً، ومكافحته لا تحتاج سوى للصدق، والجدية، ولا تحتاج سوى إلى تمكن، وتسليم الأمور إلى أهلها.. ممن يتمتع بالمؤهل، والخبرة ، والنزاهة والأمانة، والإخلاص، وهم معروفون، ومبعدون لأنهم شرفاء. على أي حال إن التفكير بالهيئة العليا، والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وإطلاق العنان، والصلاحية لمواجهة الفساد، واجتثاثه هو الطريق الصحيح.. مع إنشاء نيابات مالية وإدارية، وفنية، ومحاكم تبث في قضايا الفساد رأساً دون خوف من موقع المفسد كان خفيراً أو وزيراً.. على أن المكافحة الصادقة تبدأ بالكبار قبل الصغار. رابط المقال على الفيس بوك