ما يحيق بالمهاجر اليمني في دول الجوار الجغرافي يمثل الترجمة الأكثر بؤساً لما يحيق بنا في الداخل اليمني، فالداخل هو الصانع الأكبر لحالة الإذلال والقهر النفسي والمعنوي الذي يعانيه اليمانيون في حضرة الجار الغني الذي لا يطيق جاره الفقير. فقد تعوَّدنا على مدى عقود من البؤس أن تمتد أيادينا للأسفل لا الأعلى، وأن نستمرئ سياسة التسوُّل الرسمي الذي يخجل منه كل مُتعفف نبيل، فيما نراه أمراً طبيعياً، كما لو أن الآخرين مسؤولون عن إخفاقاتنا وأخطائنا القاتلة. لكن هؤلاء الآخرين ليسوا أحسن حالاً منا، لولا الاقتصاد الريعي الاستثنائي الذي لا مستقبل له، والشاهد أن تلك الاقتصاديات الريعية النابعة من غياهب المجهول، والصُّدف التاريخية المواتية، إنما هي اقتصاديات تصريف أحوال، لا تنمية مُستدامة. ولسنا هنا بصدد تفصيل هذه المقولة التي سيتكفَّل التاريخ القريب بإجلاء مصائرها. إذا كنا مُخطئين بحق أنفسنا، فإن الأنظمة السائدة في بلدان الجوار العربي الأكثر قرباً منا مُخطئةُ بحقنا أيضاً، فنظام الكفيل المُتبع في بعض تلك الأنظمة يبدو في ظاهره نظاماً مؤسسياً، لكنه في جوهره نظام للاستباحة والعنف المعنوي والنفسي، فالكفيل في المملكة العربية السعودية لا يتحصَّن بنسبة الإيفاد للعمالة الممنوحة له سلفاً بوصفه مُستثمراً، وهو في الغالب الأعم ليس كذلك؛ بل إنه سرعان ما يُتاجر بتلك المنحة في بورصة العرض والطلب التي تستهدف في المحصلة النهائية العامل اليمني المسكين، في شكل مُستفز من أشكال الاسترقاق المخملي المُخاتل الذي يستحق منا مزيداً من الإيضاح. نحن مخطئون بإخفاقاتنا الظاهرة التي لا سبيل لنكرانها، وهم مخطئون في تبرير ما يفعلون، ذلك أن المافيا اليمنية المنخرطة في تجارة البشر المغلفة بسلوفان الكفالة، تجد رجع صداها المُقابل في المافيا السعودية التي تباشر ذات التجارة بطريقة سافرة، فمن المخطئ إذاً؟! ما يجري لمهاجرينا في المملكة العربية السعودية سببه الفساد النَّتن الذي أجاز ويجيز وحدة قراصنة البشر في اليمن والسعودية. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك