أبرزت أواخر الأسبوع الماضي صحيفة “الفاينشال تايمز” البريطانية على صدر صفحتها الأولى تقريراً عن تداعيات الحرب واستفحال الأزمة في المنطقة تحت عنوان “ تأجيج التوتر” في إشارة واضحة الى رياح التغيير التي هبت على المنطقة إثر ثورات الربيع العربي، حيث توقف الكاتب عند الأسباب التي تقود إلى هذا التوتر المتزايد في وقت كان يتوقع فيه الجميع بأن تسود حالة الاستقرار والهدوء عوضاً عن تعقيدات المشهد السياسي والعسكري الراهن. وباستثناء اليمن، فإن ثورات الربيع العربي في مصر وتونس وليبيا لا تزال تشهد اضطرابات أمنية متزايدة، لا يمكن لأحد التنبؤ بمخاطر تداعياتها أو سلامة نتائجها ، ومثلما هي الحالة مضطربة في هذه الدول، فإن الأمر أكثر تعقيداً في الحالة السورية التي تشهد انحداراً خطيراً في اتجاه الحرب الأخيرة الشاملة، خاصة بعد تزايد المجابهات العسكرية بين السلطة و المعارضة وانسداد أفق التسوية حتى الآن. في اعتقادي المتواضع إن تأجيج التوتر في دول ثورات الربيع العربي، لا ينحصر – فقط – في غياب الرؤية لمشاركة كافة الأطراف السياسية والقوى داخل كل قطر على حدة في السلطة وإنما يرتبط الأمر كذلك في غياب التوازنات الإقليمية والدولية المؤيدة أو المعارضة لهذه الثورة أو تلك.. وبالتالي فإن انعكاسات الداخل، كما هي الحالة المصرية – مثلاً – إنما تعبر عن السعي الحثيث للاستئثار بالسلطة وإقصاء الآخرين عن أي دور للمشاركة في العملية السياسية. ويمكن القياس على الحالة السورية من حيث تنازع القوى الإقليمية والدولية على حسم الصراع بالطريقة التي يراها كل طرف بمعزل عن الطرف الآخر، فبينما نرى المجتمع الدولي يصطف إلى جانب خيارات الشعب السوري في إسقاط نظام دمشق، نرى على الجبهة الأخرى أطرافاً إقليمية ودولية كذلك تنظر إلى الأمر من منطلقات ضرورة الاحتكام إلى منطق الحوار، باعتباره الوسيلة الأنجع لحل المشكلة السورية والتحفظ على التدخل وتغيير النظام بقوة السلاح. الآن.. وبعد مرور أكثر من عامين على اندلاع ثورات دول الربيع العربي ومنها بالطبع تونس وليبيا اللتان ما تزالا رهن تلك التجاذبات الداخلية والخارجية – وإن بحدة أخف – يمكن القول بأن مخرجات هذه الثورات لا ترقى إلى مستوى الطموحات التي كانت تخالج هذه الشعوب وتعلق عليها آمالاً كبيرة في إنجاز مشروع التغيير الشامل، وبالتالي فإن البحث - جدياً - عن تسوية ما تتطلب جهوداً مضاعفة وتضافراً إقليمياً ودولياً بهدف التخفيف من حدة الصراعات الداخلية أولاً وتجنيب هذه الدول سياسة الاستقطاب والتدخل من جهة ثانية، فضلاً عن ضرورة البحث في أشكال وأساليب انسيابية تدفق المساعدات المالية وتمويل المشروعات الإنمائية، باعتبارها أحد أبرز المخارج لحل المشكلات المنتصبة أمام انتقال هذه الثورات من مربعات الاحتراب إلى فضاءات الاستقرار وفي الإطار الذي يحقق لكافة القوى الوطنية داخل هذه الأقطار المشاركة المتكافئة في السلطة بمعزل عن الاستقواء بفارق التصويت الذي لا ينسجم بالضرورة مع مشهد وصورة التغيير الذي حمل لواءه كل أبناء القطر الواحد كلٌ على حدة.. وبهذا يمكن القول: إن ثمة حلاً للتخفيف من حدة التأجيج المستمر في ترمومتر التوتر داخل دول ثورات الربيع. رابط المقال على الفيس بوك