هل يجب علينا في كل مرة العودة إلى الحديث من جديد عن دور تعز التاريخي الحاضن للمشروع المدني, سيعتبرها البعض حالة من التكرار المُمل, وربما أعتبرها أنا أيضاً كذلك في حالة فقدت فيها معنى للقضية التي نسعى إلى إظهارها للناس ولكل يمني حُر شريف, ومرة بعد أخرى يجب أن ندرك نحن هذا الجيل الذي عرف كيف التمرُّد على جلاديه وخرج مطالباً بالمساواة والعدالة في السلطة والثروة أن ما أنجزناه لم يكن سوى مسار لطريق طويل عبر خطوته الأولى، رجال عاشوا في هذه المدينة ورضعوا منها لبن المعرفة فأعلنوا الثورة ضد الجهل والتخلف والعبودية. لقد وصل ببعضنا الحال أن ينكر قضيته ويتماهى مع كل ما يشعر أنه الحاضن لهمومه والحل لمشكلاته حتى وإن كان ذلك ضد مصلحة جيل سيأتي للعيش بعدنا لم نترك له سوى الخراب والدمار والارتهان لكل مشروع يأتي ضداً على قيم العدالة والعيش الكريم. أعترف أننا قد عانينا طويلاً حتى وصل الحال ببعضنا إلى الانكفاء على ذاته والاهتمام بأمور الحياة البسيطة واليومي من متطلبات العيش, بل الأمرُّ من ذلك بروز حالة سخط ضد كل صوت يجهر بشعارات الثورة والنضال, ونحن لا نلوم البسطاء والساخطين من هذا الوضع الذي وصلنا إليه؛ لأنهم لم يتصوروا أن يظل الحال كما هو عليه بعد ثورة خرج بها الشعب لإسقاط نظام أفسد كل قيمة معرفية تحمل معنى للثورة؛ إنما اللوم على من يدرك حجم ما قدّمته تعز من تضحيات ويتوارى من جديد خلف المشهد, أو يتماهى مع أي مشروع مغاير لما ناضلت تعز من أجله طويلاً, هذا أسوأ ما يمكن أن تتعرّض له أية قضية «خيانة النخب للقضية». ماذا بعد..؟! هذا سؤالنا إلى الغد, وهو السؤال الأهم والأخطر, هل نواصل المسير, أم نتوقف ونتماهى مع أي مشروع مغاير لطموحاتنا وتضحياتنا ونخون الجيل القادم كما خانته من قبل كل النخب التي تماهت مع مشروع الفساد والإفساد الذي تمثّله النظام السابق وجرعه الشعب, تبدو الخيارات شحيحة, فلا مناص من المواصلة, أو الإعلان عن قطيع جديد من القطعان التي تمجّد ثقافة الانبطاح والاستسلام. لا أكتب هذا الكلام منفعلاً, ولا يغلب على سلوكي المعرفي صفة الطيش, فالذي يقرأ تاريخ التحوّلات في المجتمعات لابد أن يدرك يقيناً أننا نعبر الآن أخطر مرحلة في مسيرة التحول نحو حياة أفضل, وكل من يقرأ تجربة تعز وتاريخها النضالي يدرك أنني يجب أن أكتب هذا, ويجب أن نواصل حتى لا تتكرّر المأساة للصغار والجيل القادم. رابط المقال على الفيس بوك