استطاع الغرب وعملاؤه في المنطقة أن يدفعوا بالرئيس صدام حسين الله يرحمه إلى غزو الكويت، أياً كانت الاستفزازات؛ فقد كان الغزو خطأً فادحاً اعترف به عزّت الدوري مؤخراً، وما أن ارتكب هذا الخطأ حتى خرجت الجماهير العربية مؤيدة للغزو؛ كان تأييداً غير ذي معنى يعكس كيف أن الجمهور العربي تُحرّكه القوة والغلبة وليس الحق والصواب، لم تمر سوى أسابيع حتى حضرت أساطيل العالم تتحرّك بغطرسة في سماء العراق ورماله تقتل وتدمّر كل شيء، هنا خفتت المظاهرات المؤيدة لصدام إلا النادر، وهو إثبات على أن العقلية العربية تحرّكها القوة والغلبة وليس الحق والباطل, لقد وقفت مع «صدام» عندما كان يمثّل القوة؛ ولم تقف معه عندما كان مظلوماً يمثّل الدفاع والحق، وخرج من يبرّر غزو العراق بنفس البلاهة التي برّر بها غزو الكويت..!!. لايزال العربي منبهراً بالقوة وقعقعة السيوف، ومازال الحق في أسنان الرماح «ومن تزوّج أمّنا صار عمّنا..!!» هي الثقافة السائدة والمسؤولة عن كل ما يجري، وإذا كان «لصدام حسين» بعض المبرّرات بفعل الاستفزازات غير المنطقية؛ فإن ما فعله بشار الأسد يتجاوز كل هذا تماماً، فقد قتل أكثر من مائة ألف من شعبه في حربه على السلطة وأكثر من هذا جرحى وملايين المشرّدين باعتبارهم «خونة» حتى قبل أن تتحوّل الثورة السلمية إلى ثورة مسلّحة بفعل وحشية العنف للمتظاهرين السلميين والأحياء والقرى كما يفعل «السيسي» اليوم في مصر لجر الناس بفعل القهر والكذب والظلم إلى حمل السلاح وحرب أهلية وتبرير التدخُّل الخارجي في النهاية؛ شعر أم لم يشعر وبتأييد جزء كبير من الشعب الذين وقفوا مع «السيسي» ضد الرئيس المنتخب «مرسي» ليس مع الحق ضد الباطل وإنما مع القوة التي امتلكها الأول وفقدها الثاني رغم حق الشرعية لديه بفعل الاستسلام للقوة وليس للقيم والمصلحة الوطنية. وإذا نجح المصريون في الحفاظ على الثورة السلمية والتجمُّع حول الحق ضد القوة مع كل هذه الوحشية؛ فإنها ستصنع مستقبلاً مشرقاً للعرب، وستغلب سلميتهم الرصاص طال الزمن أم قصر، وسيتحوّل «الاخوان المسلمون» إلى حركة شعبية نضالية على مستوى التاريخ الإنساني رغم كل ما يقال عنهم في الحملات الإعلامية والكتابات العاشقة للقوة من مقدّسي العنف والسيف والنطع وعرف البيادات..!!. كانت مجزرة «غوطة» دمشق هي الورقة الأخيرة التي نفّذها النظام بوحشية ليفتح الباب أمام التبرير الإنساني والأخلاقي للاستعمار الخارجي الذي يتبادل الأدوار منذ اتفاقية «سايكس بيكو» دون أن تتغيّر عقلية العرب البدوية أو يغيّروا طريقة حكم الفرد والقوة وتقديسهما. اليوم نرى روسيا التي راهن عليها النظام السوري تتبرّأ من سوريا مثل الشيطان، وهي التي وقفت وراء «بشار» مشجّعة حتى يصل الوحش إلى هذه المنطقة الدموية التي تجعل الغزو الخارجي هو الحل؛ ليس للأطماع الخارجية فقط؛ وإنما للضمير الإنساني الذي يتستّر به العالم المستعمر، ولو كان بشار الأسد قد سمع أصوات شعبه وهي تهتف: «سوريا بدّها حرية» لكان اليوم قد أنقذ نفسه وشعبه من هذه الحالة التي لا تسرُّ صديقاً ولا عدّواًَ. لا يوجد أقسى ولا أخبث ولا أسقط من هذه العنف من الحاكم ضد الشعوب سوى اصطفاف البعض وراء هذه المجازر، إن كل من وقفوا ببلاهة وراء تبرير مجازر «بشار» كما هم اليوم وراء مجازر «السيسي» إنما يؤكّدون ثقافة واطية تقول: يموت الشعب وتبقى القوة الباطشة، يسقط المجتمع والدولة من أجل عيون قوة السفاح الفرد، هذه الثقافة المقدّسة للعنف والقوة؛ المسؤول الأول عنها هو الشعب قبل الحاكم، والنُخبة التافهة قبل الرجل العادي الذي أصبح أكثر حرية وشهامة من هؤلاء «المشقّرين» بالعُهر الثقافي ومصطلحات المدنية التي تخفي وراءها نفسيات مريضة وعقليات متخلّفة تعود إلى ما قبل التاريخ وحقوق الإنسان. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك