توجد قرية في الهند يجتمع أهلها جميعاً في يوم محدد من أيام السنة بمكان ما قرب القرية يقومون فيه بعملية شتم مقذعة وطويلة مع بعضهم يخرجون كل ما بداخلهم، وكل ما تريده عن صاحبك، عن غريمك، عن الزوج، الزوجة، الآباء، الأبناء الجار البعيد القريب تقوله بشكل صريح وتشتمه كيف ما شئت، وهو يوم تطهير عام عندهم تتنفس فيها الأحقاد وتسكب فيها الشتائم ليعودوا طول السنة ليعيشوا بأدب ولا يجدون ما يشتمون به بعضهم؛ لان كل شيء قد سكبوه بصراحة في يوم الشتيمة والذي يعد عندهم أيضاً يوم حظ خاصة للبنات والأبناء؛ لأن نهاية مهرجان المصارحة والشتيمة تنتهي بتزويج البنات والأبناء وتصاهر المتشاتمين الذين ينصرفون إلى العمل والتعاون طيلة السنة، ومن يحمل على صاحبه فينتظر إلى يوم الشتيمة في العام المقبل ليقول به ما يشاء. أقترح أن نضع في اليمن يوماً للمشاتمة والمصارحة نسميه «مهرجان الشتم الوطني أو التطهير العام» ونطرح فيه العيوب، ونخرج كل ما في النفس وجهاً لوجه دون زعل وبروح رياضية ستنمو يوماً بعد يوم؛ بعدها يتم التوجُّه إلى العمل والعمل الجاد بدلاً عن المشاتمة اليومية والمكايدة والكذب على بعضنا الذي يأخذ كل جهدنا العام والخاص على حساب التنمية والتعاون وحل المشاكل المستعصية والعابرة ومحاربة الفقر والبطالة؛ لأن الجهود الآن مصبوبة كما نرى ضد تشويه الآخر وإلصاق عيوب الجن والإنس كل ضد صاحبه وبشكل بدائي يأخذ ظاهرة مدمرة للقيم والأخلاق والنسيج الاجتماعي. هناك من يملك موهبة في الشتم والتجريح خاصة في المجال الصحفي والإعلامي يكون لهم النصيب الأكبر ويعطون مساحة أوسع في مهرجان الشتم الوطني؛ يتبعهم السياسيون وخاصة المتحدثين الرسميين للأحزاب ليقول الجميع عن الجميع ما يشاء ويشتم بالعربي والانجليزي وكل اللغات، وإذا لم يشتفّى يعود ليشتم نفسه؛ كل شيء جائز في هذا اليوم العظيم، وإذا ما يكفي نعمله أسبوع «المشاتمة الوطني العام» شرط أن يعود الجميع بأدب واحترام وينتهي الكذب والمكايدة والتجريح الذي نبتكره ابتكاراً ويصبر الجميع ويوفروا شتائمهم وكل حقاراتهم إلى حلول الذكرى العطرة للشتم والمشاتمة الوطنية، وهي مع الأيام ستتحوّل إلى مناسبة تقويم وتواصل ومصارحة ومصاحبة بدلاً من أن يبقى كل واحد يشتم صاحبه من بعيد كل أيام السنة ونتحوّل إلى شعب «شتّام» وننزل إلى الحضيض على حساب علاقتنا ووشائج القربى والرحم، وتتحول العقد اليومية إلى عقائد وبرامج سياسية واجتماعية مدمرة. طبعاً الذي لا يشتم في ذلك اليوم يمنع من المشاركة ويعدُّ معقداً وبغيضاً وقلبه غير نظيف؛ بل مريض ينتظر منه خرق الاتفاق الوطني والشتم خارج المهرجان، وهذه خيانة وطنية ويُعامل هؤلاء كطابور خامس. ستظهر نجوم في المهرجان بحسب المواهب، وستأخذ النساء النصيب الأوفر لقدراتهن على التعبير والإنشاء اللفظي في هذا الجانب، ومن يلمع يتحوّل إلى شخصية وطنية لأنه سيكون من حماة اللحمة الوطنية ومراقبين شرسين ضد خرق العهد الوطني في نبذ الخصومة والمشاتمة خارج يوم المهرجان، وسنقطع الطريق على الأعداء المتربصين؛ لأن لا أحد سيكون بمقدوره تحريض أي طرف أو شخص يمني على شتم يمني أو الغدر به مهما كان وسينتظر هؤلاء «المحرشون» الأجانب إلى يوم المهرجان؛ وإلا سيتعرضون إلى حملة شتم وتجريح من الجميع باعتباره غازياً ومتدخلاً في الشؤون الداخلية في الأيام الحرم، حيث سيحاول هؤلاء الأجانب ما استطاعوا الاستفادة من يوم أو مهرجان الشتم وتحويله إلى عراك وعنف دون جدوى لأن الأصول تقتضي عدم استخدام العنف ولا حتى الاشتباك بالأيادي، وأكثر من ذلك ينتهي المهرجان بتواصل إنساني يتمثّل في بناء وشائج إنسانية جديدة وعلاقة شراكة اقتصادية ومصاهرة وصداقة وما شابه من الأمور الإنسانية التي تزيد من الروابط والتواصل بين الناس بصورة تجعل الخلافات السياسية أموراً ثانوية لا تؤثّر على المصلحة العامة طالما والعقد والشتم يؤجل دائماً إلى يوم المهرجان الوطني أو حتى الأسبوع أو الشهر، فالأفضل أن نجلس شهراً نتصارح ونشتم بعضنا من أن تتحوّل حياتنا إلى شتيمة يومية ومكايدة وغدر يضيع فيها الحق والباطل، ويضيع معه الوطن والإنسان تحت لافتة العمل السياسي الذي يتحوّل عند انحرافه إلى اسم الدلع للغدر بالوطن. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك