تعز .. منذ ميلاد عهدك وأنت أحجية البلاغة ومهد المنطق.. مرت عبر أزمانك كل أساطير الحروف وكنتِ المغدق... أسجعتي من نسائمك المدائن.. سبقت طيق الصوت.. وجانست اللغات لتنسقي.. أشجنت أصوات البلابل بتغاريد صيف مخملي العنفوان وألفت قصائد عشق أبدية. أورقتي سنين عجافاً.. لكنك لم تعشقي.. مددتي عبر خارطة الحب صحائف الصبابة كامتداد خيوط الشمس تدفئنا لكنك لم تُحرقي .. في شعابك رُددت كل التراتيل .. تموسقت في ألحان الحقول وتهزجت لإبكار الصباحات الندية ورددتك الأمهات في مياهيد المنام .. تعز صلاة صبح ومعمودية ضوء وقصيدة أيوبية المنشأ تكحلت بهدب الغيم.. تعز وترية نغم وفسقية شعر وقبلة بوح ومصلى فتنة تحج اليها قوافل الكلمات بأحرف هن أم الكتاب.. تعز أقحوانة عشق ومليكة الجمال وسيدة الحرف والكلمة والبهاء.. هكذا هي تعز الحبيبة عهدناها على مر كل الأزمنة لكنها اليوم تبدلت وتحولت ,وكل ربيع فيها شاخ قبل أوانه, وكل شيء فيها يعتليه سؤال مؤلم ما بالها اليوم تعز تئن من أوجاعها؟ ما بالها هل شاخ فيها الغيم أم ان هناك من يريد لها أن تشيخ وتشيخ فيها الأمنيات؟؟ما بالها اليوم أضحت تصدر الخوف والرعب واللا أمان ما بال أبنائها اليوم أنكروها وعصوها وجحدوا بها وصار معظمهم يعمل ضدها وضد مصالحها؟؟ لماذا صاروا قساة هكذا على أمهم الحانية وهي من وسدتهم غيمها وسحابها وظلها الظليل؟.. تعز اليوم تحولت من قصيدة أيوبية إلى فوهة بركانية الفتيل حيث فَكّت الحبل على غاربه لمسلحين وأرباب سوابق كي ينتزعوا منها كل أمن ودعة ويدمروا ما تبقى فينا من هزيع نبض يحتضر .. السؤال الذي فعلا يحيرنا هو: لماذا استقوى هؤلاء المتردون لهذه الدرجة البشعة فباتوا يسرحون ويمرحون بأسلحتهم الثقيلة على مرأه ومسمع من العساكر والأمن ولا يتجرأ احد ان يعترض طريقهم؟ ,فالسيارات تمتلئ بهم وبأسلحتهم وفي الشوارع راجلين أيضاً وفي الحارات وفي كل شبر في المدينة.. فهل تناسى هؤلاء ان تعز أيضاً مدينتهم فلماذا يسعون فيها خراباً؟ ولمصلحة من يعملون؟ وهل من يعملون لمصلحتهم أغلى من مدينتهم وأغلى من أمنها وهدوئها؟ اليوم اختلطت وتشابكت الأوراق السياسية وتبدلت المواقف وتحولت الديمقراطية التي تغنى بها الجميع إلى ديكتاتورية بغطاء مكشوف وصار الدم اليمني مستباحاً في كل مكان ولم يعد له قيمة إطلاقاً.. تعز تعيش على فوهة بركان تتجول فيها البنادق على أكثر من قدم وساق وتسعى فيها الرصاصات كأنها حيات تسعى فوق أرواحنا كل وقت وحين وضاع المواطن التعزي الكادح في معترك سياسي بشع تتجاذبه موازين قوى سياسية في ظاهرها النجاة وباطنها العذاب لا تريد لتعز ان تستقر أو تتحسن أوضاعها وخدماتها الأساسية التي تنحسر كل يوم للوراء وبات المواطن التعزي الكادح رهين تلك المشاحنات اللانهائية وأصبحت لقمة عيشه وأمنه وسلامة روحة على كف رصاصة ثمنا بخساً تأتيه على حين غفلة من مسلح متشرد يعبث في الطرقات تخويفاً للناس.. يبدو ان الحسابات السياسية والحزبية المتعنتة والضيقة ستقضي على كل بارقة نجاة كنا نظنها ستبرق من عاصمة الثقافة والمثقفين,, الحبيبة تعز .. فيا أحزاب ويا مشايخ ويا عقلاء ويا مدراء ويا وكلاء ويا مسلحين أيضاً ان ما زال هناك لديكم بصيص انتماء لهذه المدينة الغارقة في مشاحناتكم وشارفت على ان تلفظ أنفاسها الأخيرة ,دعوا (الأنا) جانباً واسعوا لمصلحة (الكل).. اعترفوا ان في تعز أولويات اهم من الكراسي والمناصب لمدينة صارت العشوائية والضجيج والمجاري واللا أمن واللاقانون اكبر ما يميزها.. لأن ذلك ان كان في حساباتكم لكنا رأينا تعز أخرى غير التي نراها الآن وكأنها مقبرة كبيرة تدعى للأسف مدينة وانتم السبب.. تعز أمانة بين أيديكم فلا تخونوا الأمانة من اجل حزب أو قبيلة أو مذهب أو مشيخة أو سلاح وبنادق...