لم يكن يَدُرْ بخلد الطغاة أن الشعوب شتفيق من غفلتها، لتثور في وجه أنظمتهم المحصنة بالقوة والقمع والقبضة الأمنية، إذ كانوا يعتقدون أن الشعوب مجرد أدوات طيعة في أيديهم، تأتمر بأمر الحاكم، ولا تقطع أمراً دونه، حتى يضمن لكرسي حكمه الخلود وعدم منازعته له، ولكن سُنّة الحياة وإرادة الشعوب متى ما أرادت الحياة لا تؤمن بالخلود لحاكم.. بل تربك حساباته وتفاجئه بزوال ملكه وتأخذه من حيث لا يحتسب. وهذا ما حدث في ثورات الربيع العربي، حين هبّت شرارة الحرية من تونس ثم تحولت إلى كرة ملتهبة متدحرجة تلتهم حكام مصر وليبيا واليمن، ومازالت تلتهب في سوريا. وحين بدأت إرادة الشعوب تتلمس طريقها في بناء الدولة وتحقيق أهداف ثوراتهم، وصون الحقوق والحريات، وترسيخ السلوك الحضاري والديمقراطي للتداول السلمي للسلطة، والتحول بالأوطان من حكم الفرد إلى آفاق الشراكة والمسؤولية الوطنية، والانتقال بالدولة إلى مرحلة الاستقرار وامتلاك القرار السياسي.. حينها كانت هناك قوى رافضة لهذا التغيير، وتقف في وجه إرادة الشعوب وحركة التاريخ، فأضمرت الشر والعداء، وناصبت الثورات العداء، مستخدمة في ذلك نفوذها وأدواتها الإعلامية والأمنية، خوفاً على مصالحهم وهنا تقاطعت مصالح هذه القوى الرافضة أو المتضررة من التغيير مع قوى خارجية أرعبها ما حصل من ثورات تحرر في الوطن العربي، وهي ترى ملايين البشر تهتف بالحرية، وتطالب بإسقاط أنظمة الاستبداد، فسارعت قوى الخارج خوفاً على مصالحها لاحتواء هذه الثورات والسيطرة عليها، من خلال كبح جماح الشباب العربي الثائر، باعتباره مفجر الثورات، وإدخاله في أتون الصراعات السياسية، وفي غفلة من الشباب الثائر ألقت هذه القوى بطوق النجاة للحكام، فأبقت على حياة النظام، وضحت فقط برأسي النظام. نعم.. اليوم هناك قوى خارجية وداخلية تقف ضد هذه الثورات، وتسعى بكل ما لديها من قوة ومال وإعلام لإجهاض هذا الربيع العربي، بل وتقود حملات دعم وتمويل للقيام بثورات مضادة، من خلال التخريب والتدمير لمؤسسات الدولة، وحوادث العنف والاغتيالات، وإشاعة الفتن المذهبية والطائفية، وتشويه الثورات بأنها مؤامرات، والثوار بأنهم إرهابيون. فقوى الخارج كانت تظن بأن الأمور مواتية لتغيير خارطة الشرق الأوسط، ولكن حركة الشعوب العربية أربكت حساباتهم، فغيروا استراتيجيتهم من خلال الإبقاء على حياة الأنظمة، والتضحية برؤوسها، فتحالفت مع القوى السياسية ورموز الثورة، واستطاعت من خلالهم السيطرة على الثورات وتوجيهما وفق مساراتها. ولأن ثورات الربيع العربي لم تنجز أهدافها كاملة بسبب صراع قوى الثورة نفسها استطاعت قوى الخارج والداخل بفرض شروطها، ونالت ما تريده من حصانة، وشراكة في الحاكم، وأصبحت البلدان تحت الهيمنة الخارجية. ففي مصر.. التي كنا نقول أنها تحررت من الاستبداد، وبدأت إرادة الشعب المصري ترسم طريقها نحو الديمقراطية، ويصادرون إرادة الشعب الذي اختار حاكمه لأول مرة بطريقة حرة ودستورية، ويعودون بمصر إلى ما قبل ثورة 25 يناير.. فهل سيقبل الشعب المصري بعودة الاستبداد مرة ثانية، بعد أن ذاق طعم الحرية والكرامة؟! وهل مصر هي البداية والبوابة التي سيلج منها الاستبداد الجديد؟ المظاهرات اليومية الرافضة للانقلاب تقول بعكس هذا.. وأما في تونس فلقد أتهم الرئيس التونسي المنصف المرزوقي قوى عربية لم يسمها رغم أنها معروفة لنا بالوقوف وراء محاولات إجهاض الثوران العربية، وأكد أنه تم إفشال محاولة للانقلاب عليه من خلال احتلال مقرات الدولة السيادية والمجلس التأسيسي.. إذن هي مخططات خارجية وتمويل خارجي، وتنفذها للأسف أيادٍ عربية نكاية بالخصوم والثورات، وما يحدث اليوم من عمليات القتل والعنف والفوضى واقتحام للمقرات، والاغتيالات إلا وسيلة من وسائل الثورة المضادة للإنتقام من ثورات التحرر العربية، ولوأد أحلام الشباب العربي، وبث روح وثقافة اليأس والانهزام، وقهر إرادة الشعوب حتى لا تحاول مرة أخرى الصراخ في وجه الحاكم. فهل ستتمكن قوى الثورة المضادة، وقوى الشر الخارجية من إجهاض ثورات الحرية والخلاص من الطواغيت.. أم أن للشعوب العربية وشبابها الثائر إبداعاً ثورياً جديداً وروحاً ثورية لن توأد؟ رابط المقال على الفيس بوك