في أحد التعليقات على الفيس بوك كتب السياسي القدير الأخ علي سيف حسن عبارة مفادها أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين , ربح جزيرة القرم وخسر أوكرانيا, وفي المسألة مساحة معتبرة للاختلاف في الرأي ووجهات النظر , والتي تجيز لنا القول: إن أوكرانيا خسرت القرم وروسيا, ولم تربح أوروبا . كنت في مقال سابق قد تناولت الأساس الجغرافي للدرس المستفاد من الأزمة الأوكرانية واليوم أعود إلى ما تمثّله الجغرافيا من بشر وسياسات لأقول: إن الهوية الأوكرانية مركبة من تعددية عرقية ودينية , فالشعب الأوكراني خليط من قوميات مختلفة, أبرزها ثلاث قوميات, اثنتان منها يتركز ثقلها السكاني في الغرب الأوكراني , هما المجرية والبولندية, الثالثة الروسية, التي تشكّل ثقلاً سكانياً في شرق أوكرانيا, وكان لقرار القيادة الأوكرانية المؤقتة إلغاء اللغة الروسية أثره الحاسم في مسار التداعيات التي اتجهت به نحو استقلال جزيرة القرم, ثم الاستعجال به في تحول حدد مصير القرم بالانضمام إلى روسيا, وهذا ما كان. تقول الجغرافيا: إن روسيا بدون القرم دولة آسيوية وأنها بالقرم فقط دولة عظمى, ولهذا سارعت قيادة روسيا الاتحادية الى استثمار الوضع الذاتي لشبه جزيرة القرم في الدستور الأوكراني ومخاوف الأغلبية الروسية لسكانها من تطرف اليمين الأوكراني , لتتجه به نحو تقرير المصير أولاً في الاستقلال عن أوكرانيا, وثانياً في الانضمام إلى الاتحاد الروسي, بشرعية كاملة وشعبية مكتملة. بقي بين أوكرانياوروسيا بعد القرم الجغرافيا الشرقية والجنوبية لأوكرانيا, والتي تقطنها نسبة معتبرة من الأوكران الروس, وهذه المسألة مفتوحة على التوتر بين روسياوأوكرانيا أو على التعاون وحسن الجوار, إذ بمقدور روسيا الاسهام في الحفاظ على الوحدة الوطنية والاستقرار أو زعزعة هذا الاستقرار وتشجيع النزعات الانفصالية والحروب الأهلية, بين المجموعات العرقية, وهنا قد تخسر أوكرانيا نفسها, لكنها خسارة لن تنجو منها روسيا، لأن الصراعات العرقية والدينية قد تنتقل إلى الاتحاد الروسي وتنتشر في جواره الجغرافي مهددة أمنه واستقراره على الدوام. في السياق السياسي, ليس بمقدور أوكرانيا أن تصبح تهديداً أطلسياً لروسيا, لأن الصراعات بين القوى الكبرى ليست محكومة بالجغرافيا فقط, بل تتداخل معها حسابات القدرة والمردود وحجم القوة ومساحة تصادمها التي ستشمل العالم كله, البعيد منه قبل القريب, وقد خسرت أوكرانيا نفسها حين ظنت أن بمقدورها التحول عن سياقها الجغرافي إلى قاعدة أطلسية تهدّد روسيا ومصالحها لصالح قوى أجنبية, التي وإن تقاطعت مع المصلحة الأوكرانية فإنها مصلحة غير الأوكرانيين. [email protected]