في عموده اليومي الجميل (يوميات ) تناول الدكتور عمر عبد العزيز يوم الاثنين الماضي العدد(16154) مقالا بعنوان ( إلى الحوثيين المتنورين) ورغم قصره ووضوحه فقد كان مقتضبا وكعادة الدكتور بطريقته الكتابية لعموده لا يستخدم أسلوب البحث الموسع ويكتفي بالإشارات فقط وكأن الموضوع عبارة عن رسالة أو نصيحة لا بحثا للنقاش والتفصيل . ومع تسليمنا بما طرحه الدكتور إلا أن هناك أموراً كثيرة خفيت عليه.. وأنا أستغرب أن الدكتور بدأ بمظهر المتعصب الغير معترف بإطلاق تسمية أنصار الله على عنوان مقاله رغم أنه متعارف عليهم بها بين بقية المكونات والأحزاب ففي مؤتمر الحوار كان صدى التسمية يتردد يوميا..ورغم أن الدكتور في السطر الأول يوجه نقدا للمتعصبين حد تعبيره فلم ينظر أو يتنبه إلى أنه هو من بدا متعصبا غير معترف بالتسمية ليحصر ويضيق المكون بأسرة الحوثي وهو يدرك مثل البقية أن مكون أنصار الله فيه من مختلف الأسر اليمنية والمحافظات لكنه التعصب أو ربما أنه تصور وقوعه في محضور شرعي لا سمح الله! على الأقل كان سيقولها من باب التفاؤل وإبعاد شبح الأسرية الذي يشكو الكثير منه دائما وهم بإصرارهم هنا يكرسونه في الأوساط. يرى الدكتورمن وجهة نظره أن المشكلة تكمن في (خيارين قاتلين) وقع فيها المتعصبون حد تعبيره وهي : (اعتبار الحاكمية الإلهية مقرونة بآل البيت القادمين من البطنين ) والثانية تكمن في ( المحاولة لإعادة إنتاج نموذج حزب الله ) . ويتضح جليا أن هناك معاناة من فوبيا الشيعة ونقصاً في معرفة الجوانب العقدية المتعلقة بالفكر الشيعي المتطور حاليا ومواكبته لجوانب الحياة خصوصا السياسية. الكثير يحصرون أنفسهم في مصطلحات ضيقة ناتجة عن تأثر لقراءة فقهية لتعاليم التراث السني والمذهبي المصطدم مع كل شيء للمدرسة الشيعية نتيجة تراكم ذلك في العصور الأولى للصراع المذهبي ونشأة الأفكار المتشاحنة والمتصارعة واليوم للأسف يستمدون أدلتهم من تلك الحقبة الفكرية وما خلفته من تراث نشأ داخل أوساط حكام مشهورين بمحاربتهم لكل ما له صلة بأئمة آل البيت ,ولذا بنظرة بسيطة لأعلام أهل البيت السابقين كجعفر الصادق ومحمد الباقر وخصوصا الإمام زيد الذي لا تكاد السير السنية أن تشير إليه ولو بسطر واحد ثم يقولون الزيدية أقرب إلى السنة ! ستلحظ أن علومهم غير متوفرة وكأنه لا يوجد لديهم أي علم بل البعض من باب عدم اللوم يكتفي بإشارات خجولة أو يضيفون علومهم في علم الرؤيا فقط ! من باب رفع الحرج والمساءلة ليس إلا...وليس هذا موضوع نقاشنا الآن. يقول الدكتور في نهاية موضوعه إن ( التاريخ اليمني يعيد نفسه بطريقة ملهاوية ومأساوية وما نراه اليوم لا يختلف كثيرا عن صراع الأئمة التاريخي في اليمن)..ولا أدري كيف حكم هكذا وسلم بهذه القضية واستبق الأحداث ليحكم أن أنصار الله هم نفس الشخوص من الأئمة السابقين ! مع أن لهم رؤيتهم السياسية وخطابهم الإعلامي الذي يواكب العصر ولا يمت للماضي بصلة.. لربما التعصب المذهبي هو الذي يجعل صاحبه لا ينظر إلا من خلال ما قرأه عنهم من خلال كتب التاريخ القديم للسلف الصالح والاستدلال بما قاله مثلا (منهاج السنة) !. أتساءل ..لماذا تعتقدون أن من يؤمن بنظرية الإمامة من البطنين بأنه لن يستطيع مواكبة العصر والإيمان بالحرية والمساواة والديمقراطية وخوضها أفضل من غيرهم ؟ لماذا تعتقدون أنهم يجهلون معنى التواضع والشورى والشراكة في الحكم مع الجميع ؟ دعونا من التهويمات التي لا تستند إلى أدلة حية ومشاهدة ودعونا نحكم من واقع ونزول ميداني ومساءلة واستبيان وحوار معهم ..لماذا لا تطلبون الخوض في نقاشهم ومناظرتهم حول مجمل القضايا السياسية التي ترونها ستكون في نظرهم تخلفا وعودة للوراء ؟ لتتركوا الآخرين في شأن ممارسة طقوسهم المذهبية واعتقاداتهم التي ترونها أنتم من خلال نظرتكم مخالفة للدين وكأن الدين الذي تملكونه ليس مذهبيا يعود معظم قواعده وأصوله إلى واضعين عرفوا باتجاههم ونزعتهم الطائفية لنترك كل ذلك ولنتوجه للحكم من خلال أمثلة حية وواقعية لنتناقش عن الديمقراطية وهل يؤمن بها من يقول إن الحاكمية للبطنين أم لا يؤمنون بها ؟ عند ذلك نستطيع الحكم عليهم وتصديق الناس لكم أنهم غير عصريين . هل يعترضون عن المشاركة في الانتخابات ويحرمونها ويكفرون من يؤمن بالديمقراطية مثل بعض الفرق والجماعات الإسلامية السنية ؟ إذن بما أنهم لا يقفون ضد الوسائل العصرية والانتخابات ولم نسمع أنهم أصدروا فتوى بتحريم ذلك أو منعوا أفرادهم من المشاركة لأنها تتنافى مع (البطنيين) فلا يحق لنا أن نصف أفكارهم أنها رجعية وتخلف وعودة للوراء ؟ هم لا يعترضون على القوانين والدساتير العصرية التي تكفل للشعب حرية اختيار حاكمه فلا تعترضوا على أمور تخصهم يؤمنون بها ويعدونها من أصول الدين لا تلوموهم حين يدركون ويختارون بأن يكون لهم مرجع وعلم وقائد تتوفر فيه صفات معلومة لديهم في كتبهم وأصولهم وبحسب معتقدهم.. فكما ترون أنفسكم على الحق من خلال تراثكم هم أيضا يرون أنفسهم كذلك . نقاشنا الأهم هو حول الحاكم وتولي المسئولية وإقامة العدل وحفظ الأمن ومعرفة العلاقات الدولية هل الشيعة الإيرانيين مثلا يجهلون إدارة البلد وهم جعفرية إمامية أشد من الزيدية ببعض الأمور ..هل رأيتهم يا دكتور متعصبين في القضايا الدولية وغير ناجحين في إدارة بلدهم ؟ كيف تابعت مثلا الشيعة الجعفرية في إيران ..كيف رأيت روحاني في سياسته السلسة ومخاطبته للغرب ؟ هل كانوا متخلفين لا يجيدون شيئا لأنهم يؤمنون بولاية البطن ؟ وكيف هي الحياة السياسية والاقتصادية والعلمية هناك ؟ وهم يؤمنون بالبطن فقط فما بالك بمن يؤمن بالبطنين ؟ ألا يكفي يا دكتور عمر هذا الأمثلة المشاهدة كي تبدد مخاوفك وتنزع وساوس التفكير والتوجس من الغير؟ . لا أريد أن أضرب مثالا آخرا عن حزب الله المشكلة الثانية حسب قولك ..فمجاراة أنصار الله لهم ليس مشكلة بل فخر واعتزاز لكل حر على هذه الأرض .. يكفي أن تعرف أن حزب الله لا يصطدم مع قوانين البلد ودستور بلاده الذي يجعلهم يقبلون بالنصراني رئيسا عليهم ويكفي أن نعرف أن حزب الله يقبل به اليوم شريحة كبيرة من الحداثيين بل والفنانين ..كالفنانة الكبيرة فيروز والتي أفصحت عن حبها للسيد حسن وحزبه . هل تتذكرون انفتاح نصر الله عندما قدم فتحي يكن ليصلي بهم ذات مرة؟ هل سيقبل أهل السنة مثلا أن يؤمهم علي خامنئي أو نصر الله في الصلاة لا أعتقد ذلك..الفكر الشيعي فكر متطور ومرن ولهم اجتهادات عصرية تسبق الفكر السني بكثير ولذا لا خوف من أنصار الله ووصمهم بأنهم متعصبون وأن المتنورين فقط قليل . فمن تراهم بنظرك متعصبون لمجرد الإشارة للنقطتين التي ذكرتها ستجدهم منفتحين ويقبلون بالشراكة مع الجميع فقط علينا جميعا النظر بعين الواقع والتدليل بما نراه اليوم لا بعين مذهبية وشواهد مستمدة من كتب وتراث العصور السابقة . [email protected]