حضر إلى عمله مبكراً كعادته, رغم علمه بقرار اعتقاله, وبينما الجيش يحاصر مبنى البلدية الذي كان يرأسه, وكانت الجماهير بدورها تحاصر العسكر رفضاً,... خرج إليهم “واثق الخطو” مخاطباً شعبه ومعتقليه معاً.. وهو رافع الرأس “سأعود أقوى مما كنت” (1998م), بعدها بسنوات كانت شاشات التلفزة ومحطات الأنباء تنقل صورته وصوته ليس كرئيس بلدية بل كرئيس بلد. كان حزبه قد خاض انتخابات وعد فيها شعبه ب«العدالة والتنمية» (2002م), وكانا لفظين جميلين لم يرددهما حزبه ليسكر بهما مواطنيه الناخبين, بل كان يعي تماماً ما هي العدالة وما هي التنمية, في (203مارس) تولى رئاسة الحكومة, وبعد سنين قليلة ومعدودة من حكمه لبلده, أضحت تركيا رقماً صحيحاً بين الدول المتقدمة, رقماً له هيبته واحترامه وخصوصيته. إنه أردوغان , رئيس الوزراء التركي الذي يدرك تماماً هيبة بلده, الذي لا يقبل الانحناء كما أنه لا يقبل الظلم (فقد غادر “منصة مؤتمر دافوس احتجاجًا على عدم إعطائه الوقت الكافي للرد على الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز بشأن الحرب على غزة”), فاز حزبه الأسبوع الماضي بانتخابات البلدية, ونال ثقة الشعب التركي, الذي يدرك جيدا لماذا صوت لهذا الحزب, ولماذا جدد ثقته بأردوغان, لا علاقة للأمر بجدلية الاسلامي والعلماني كما يروج البعض هنا, بل بالتقدم الاقتصادي والازدهار التنموي, وجعل تركيا في مصاف الدول المتقدمة وذات الندية السياسية. تركيا الآن في عهده تعيش كثيراً من الرفاهية و الاستقرار الاقتصادي, والتنمية بكافة مجالاتها تتطور كل يوم بلا كلل ولا ملل, وفاؤه بوعوده لشعبه بالعدالة والتنمية, جعل من بلده درة السياحة والاستثمار, ومفاوضاً متمرساً لا يمكن تجاوزه في “السياسة الدولية”, السؤال الجوهري .. الذي يجب أن يثرى بإجابات تحليلية, ما الطريق إلى تركيا؟, كيف يمكن لبلداننا العربية أن تصبح مثلها دول حرة ومستقلة, ليس على صفحات الدساتير وكلمات الصحف وأنغام الأناشيد, بل على الواقع الفعلي. إن تركيا دولة حرة ومستقلة, كون حزبها الحاكم التزم بجدية بتطبيق عدة مبادئ استراتيجية حققت لتركيا الاستقلال الاقتصادي والسياسي الدائم والمحترم, منها: أولاً: إرادة التميز, وثانياً: الندية التي تخلق الاحترام, وثالثاً: العقلية المؤسسية لقيادة الحزب الحاكم, ورابعاً: التطبيق الحقيقي لقيم العلمانية, ولذا نجد أن أردوغان وحزبه اتجه بتركيا نحو أن تكون بلداً متميزاً عن جيرانها في المنطقة, فكان النضال - الذي ما زال مستمراً - نحو العضوية في الاتحاد الأوروبي, وكان اردوغان يدرك أن الطريق إلى ذلك يمر عبر الندية السياسية, بمعنى أن تكون نداً لا تابعاً, ولذا ظل مهتماً بتحقيق الاستقلالية الاقتصادية , التي تحقق الندية في العلاقات الدولية, والتي على أساسها أقام علاقات اقتصادية وسياسية حتى مع إسرائيل. الطريق إلى تركيا؟ يلزم أن تقوم النخب العربية (الحاكمة والمعارضة والمثقفة والاسلاموية والقومية وحتى اللبرالية) بدراسة التجربة التركية؟.. بدلاً من تقديم الأعذار والتمنيات, فالقول: إن حزب العدالة هو أحد نماذج الحركات الاسلامية, هو منطق يداري به الإسلاميون العرب فشلهم, في تقديم نموذج اسلاموي حاكم أو حتى معارض يحتذى به, فحزب العدالة التركي ليس حزبا اسلاموياً, فهناك فروق واضحة في المنهج والأداء بين العدالة والحركات الاسلامية العربية, ولا يعني أن بعض قادة الحزب يصلون أو يرددون شعارات تدينيه أن الحزب إسلامي, الإسلامويون العرب ببساطة يسوقون أنفسهم من خلال نجاح الآخرين. صحيح أن أردوغان مسلم لكنه ليس إسلامياً هو علماني بامتياز وحزبه هو حزب علماني, ولأنه فهم حقاً ما هي العلمانية استطاع أن يقود حزبه ووطنه دوما نحو التقدم والاحترام, هو تعامل معها كقيمة محايدة,, وأتمنى هنا أن يدرس الإسلاميون العرب.. مدى قولنا أن من أسرار نجاح حزب العدالة والتنمية التركي هو “التطبيق العملي لقيم العلمانية”. استدراك: أمام حزب التجمع اليمني للإصلاح, نموذجان للاقتداء, حزب العدالة والتنمية التركي, في مجال السياسة والحكم, وحزب النهضة التونسي, في مجال المراجعة الفكرية ونقد الذات, لكن الطريق الى تركيا... يمر عبر تونس؛ وليس العكس. [email protected]