إنَّ نظرة متفحّصة وناقدة في تراثنا الفكريِّ والعقديِّ والسياسيِّ والفقهيِّ تهدينا إلى تحرير القول بأنَّ تراثنا الإسلامي خلا من التعرض لذكر أيِّ تعريفٍ معتبرٍ لمصطلح الإرهاب، بل إنَّ نصوصا قرآنية ونبوية تجاوزت صياغة أيِّ تعريفٍ منضبطٍ له، وقد وردت مادة رهب ومشتقاتها (استرهب، أرهب، رهب) في حوالي 8 آيات من القرآن الكريم ولا يشتمل أيٌّ منها على أدنى تعريف لمصطلح الإرهاب، بل إن له معانٍ متعددة وفق السياقات التي جاءت في تلك الآيات المباركة تترك للمسلمين حرية التعامل مع مستجدات الظواهر والأحداث. وأما مدونات الفقه الإسلامي على كثرتها وتعدد اجتهاداتها فإنها لم تعن - حسب علمنا المتواضع التطرق إلى تعريفٍ هذا المصطلح الذي لم يكن له حضور عند الأقدمين والمعاصرين من الفقهاء والمفسرين وغيرهم في ساحتنا الإسلامية . كما لم يفرد له مؤلف بعينه، مما يجعلنا ننحاز إلى تقرير القول بأنّ هذا المصطلح لم يحظ بتعريفٍ من قبل علماء الإسلام في العصور السالفة، وما نجده في هذا العصر الحاضر عبارة عن اجتهاداتٍ معاصرة كانت عبارة عن ردة فعل لما يُعتمل في المحافل الدولية ومراكز الأبحاث الغربية التي تسعى جاهدة إلى إلصاق هذا المصطلح بالشخصية الإسلامية والنيل منها لمجرد أن جماعة ما تبنت تلك الأعمال أودعت إليها. فقد ظهر بعض الفقهاء المعاصرين في ساحتنا الإسلامية الذين أفتوا بتجريم الإرهاب، أو غيرهم ممن أفتوا بمباركته، كل حسب انتمائه وقوة ارتباطه بالمصالح التي يقف خلفها والسلطات التي يعمل من خلالها بتعريفات قاصرة لا تشكل موقفاً نهائياً للفقه الإسلامي من الإرهاب . لذلك فإن الحضور الإسلامي في تأصيل هذا المصطلح بقي مرهونا بردة الفعل المرتبطة بالخارج، أو بالتحرك السلطوي، أما المحافل الفقهية المتخصصة فقد بقيت هي الأخرى دون قيامها بالدور المطلوب فقهياً وفكرياً واجتماعياً . الإرهاب ليس شكلاً واحداً يمكن احتوائه، كما أنه لا يلتزم وجهاً بعينه بل تتعدد وجوهه ومسمياته وطرق فعله وتأثيراته، كثير من الخطابات التي تندفع إلى الساحة دون أن تكون منضبطة شرعاً وعقلاً وقانوناً أكثرها تعبر عن حالة من الإرهاب الفكري أو السياسي الذي يسعى أصحابه لتسويقه وتقويض السلم الاجتماعي من خلاله وإحداث الفوضى والتشققات الاجتماعية انتصاراً لطرف من أطراف الصراع الإقليمي والدولي . تلك الوجوه المتعددة للإرهاب في مجتمعاتنا لابد وإن تجد من يبينها للناس ويقرر أضرارها وما يترتب عليها من الخراب في حياة الناس، حتى لا ينساق شباب المجتمع من حيث لا يدرون ليكونوا وقوداً له وأدوات لتحقيق أهدافه. من الواجب بمكان أن نحول دون تحول مساجدنا ومدارسنا وجامعاتنا إلى حواضن تتشكل فيها وجوه الإرهاب، فلا تستيقظ الدولة والمجتمع إلا وقد تحولت مؤسساتنا الاجتماعية والتربوية إلى حلبات صراع تتعدد بتعدد وجوه وأشكال الإرهاب. [email protected]