قبل عامين من الآن كان برشلونة يقدّم كرة قدم خارقة, أنصار ريال مدريد أيضاً قالوا ذلك, وكانوا يتهامسون بهذه الحقيقة في أروقة مقايلهم، الجميع تحدّث بإسهاب عن فريق كرة قدم خرافي لم يشهد له التاريخ الرياضي شبيهاً. يتكاثف الحزن في نفسي؛ ذلك أن رغبتي في رؤية برشلونة كعهده في الماضي تصطدم في كل مواجهة ببرشلونة آخر تماماً, كل ما يميزه هو أداؤه الباهت على أرضية الملعب والانسحاق على أيدي أبطال صغار، حدث أن بعضهم كان يغادر العشب الأخضر منتشياً بصموده أمام البارشا شوطاً كاملاً, وعجز برشلونة عن أن يغرّز كامل خماسيته المعهودة في شباكه. البارشا هو آخر قلاعنا للهروب من المشهد الوطني, حتى قلعة القاهرة لم تعد تتقن انتزاعنا تماماً كتعزيين من أجواء ملبّدة بأخبار المهاترات والمشاحنات السياسية, وصارت تنقلنا إلى المكان الأكثر قدرة على تعرية تعز أمامنا بوضوح, وقد شاخت وكستها معالم الشحوب والاصفرار المخيف. برشلونة هو ملاذنا للهروب من جحيم 550000 ألف كيلومتر مربع حافلة بلون الدخّان المتكاثف وألسنة لهب السياسة المدمرة، في جو الماتش نذهب بعيداً في صناعة وطننا الخاص الذي يحكمه القدم الأيسر لليو ميسي؛ وعبره يصنع منجزاته الفارقة من أجلنا نحن فقط. نحن أشقياء لأننا نملك وطناً يتقاصر فهمه عن استيعاب حاجتنا الملحّة إلى السعادة؛ ولذا غالباً ما وجدنا أنفسنا عُرضة لتداعيات أحواله السيئة؛ حين يرتطم رأس الوطن بصخرة عارضة يجلجل الصداع داخل رؤوسنا عقوداً, وتذهب عقول بالجملة تحت تأثير مضاعفات الجلجلة..!!. ما الثورة سوى تعبير عظيم عن رغبة في التطهُّر من إثم وطني عميق لحالة سابقة من الغفلة والتيه والصمت؛ وهي إلى ذلك خطوة مهمّة لترجمة طموح شعبي في اجتراح مسارات مغايرة تتحدّد غاياتها في تثبيت كل مفاهيم الأحقية الجماهيرية في العيش دون الحاجة إلى التفكير في كيفية قضاء يوم الغد, ومن أين سيكون الرزق..؟!. برشلونة ينسحق على أيدي الأبطال الصغار, وفي ظرف أسبوع يفقد كافة حظوظه في اقتناص أي من دروع البطولات المتاحة بين يديه. في آخر معاركنا على «فيس بوك» لكبح جماح الحزن قال أنصار ريال مدريد إننا لانزال نضحك, وهم يرون في ذلك محض استعباط وجُرأة مستنكرة، مأساة ألا يكون لك منفذ لاجتراح النشوة سوى برشلونة ثم يفاجئك بانهيار كلي..!!. نحن نفضّل ميسي لأشياء أخرى أيضاً يجهلها أنصار الريال, حضور البرغوث في وجداناتنا أقوى من أية محاولة ريالية لاجتثاثه؛ ذلك أنه طيلة الأعوام الماضية ظل يبذل جهوده لتقديم أقصى درجات المتعة لنا دون أن يطلب منا الانحناء لتقبيل أقدامه كما يطلب منا آخرون هنا لم يقدّموا لنا شيئاً. انهار برشلونة في موسم كنّا بأمسّ الحاجة إليه لنستعين به على أحزاننا المتكاثفة، انهار في موسم الحروب والاغتيالات وزحف المليشيات. [email protected]