فوفو الذي لا ينسى، بدأ يخاف من الدجاج لأنه قد يكون حبة قمح تأكلها الدجاجة، وقد شاع في الحارة أنه يرتعد خوفاً وفزعاً عند مشاهدة أي دجاجة، وأنه كان يجري فزعاً لمجرد سماع صوتها المُرعب، فأدرك أهل الحارة أن عليهم معالجته من داء عدم النسيان، وإلحاقه بنعمة عالم النسيان، حتى يتخلَّص من هذه الفوبيا المرضية، مُتذكرين الحسنة التي أسداها لهم بعلاجهم من داء النسيان عبر مُدوَّنة الماضي السحرية .. الكاميرات الفوتوغرافية. قرر أهل الحارة القيام بتلك الخطوة الضرورية، حتى يلتحق فوفو بطمأنينة حياته، فأودعوه مستشفى الحالات النفسية، ليخرج منه معافىً، ومتمتعاً بقدر قليل من النسيان. لقد أدرك فوفو يومها أنه ليس حبة قمح تأكله الدجاجة، وخرج من المستشفى مُنتشياً بظفر النسيان المؤقت، لكنه حالما رأى أول دجاجة أمامه، ارتعدت فرائصه وجرى بعيداً، فأمسك به أهل الحارة، مُحاولين إقناعه بأنه قد تعافى من داء الاعتقاد بأنه حبة قمح. قال لهم فوفو: نعم أُدرك أنني لست حبة قمح، وقد اقتنعت بذلك، ولكن من يقنع الدجاجة بأنني لست حبة قمح؟! لم يكن فوفو فريد نوعه في عالم عدم النسيان فحسب، بل كان أيضاً متفرداً في انتمائه لبرج القرد الصيني المشهور، كما أسلفنا. ذلك البرج الذي يتميز به الهوائيون القادرون على التشقْلب مثل لاعبي الأكروبات، وعلى القفز من غصن لآخر، ومن دوحة باسقة لأُخرى أطول وأكبر.. تماماً كما يفعل القرد. ومن هنا جاءت الاستعارة الصينية بتسمية هذا البرج باسم القرد، وهذا هو برج فوفو الذي يجعله قادراً على العصف بالمائيين المرنين، كما يفعل الهواء بالماء، وإتلاف الترابيين الصبورين، كما يفعل الهواء بالتراب، وإشعال الناريين الأذكياء، كما يفعل الهواء بالنار.. تلك الميزة جعلته هوائياً من الدرجة الأُولى، ومنحته كامل الأسباب ليتميَّز بسيناريوهاته الذهنية التي يحولها إلى سيناريوهات واقعية، ويعتمد على الآخرين في تنفيذها، بوصفهم ممثلين اعتياديين لتلك المخططات الذهنية الخاصة به، والتي لا يعرفها سواه، فإذا اكتشفوا بعد حين أنهم كانوا مُمثِّلين واقعيين لرسومات فوفو الذهنية، أدركوا موهبته الفذة بالضحك على الجميع، دون أن يدرك هو أنه إنما كان يضحك على نفسه بالذات. [email protected]