من المؤكد أن أوضاع مصر تنعكس سلباً أو إيجاباً على المحيط العربي، ولذلك لابد من أن تسهم البلدان العربية في استقرار مصر سياسياً واقتصادياً حتى تعود إلى الفعل الإقليمي والدولي بشكل إيجابي وثقل قادر على التأثير في مجريات الأحداث التي تمر بها الأمة العربية اليوم. لاشك أن الفترة التي انتقل فيها الحكم إلى الرئيس المصري السابق محمد مرسي كانت من أخصب الفترات الجماهيرية المساعدة للحاكم والحزب الذي يقف خلفه، والتي لو تم استخدامها وتوظيفها بشكل جيد ومنظّم من قبل جماعة الإخوان المسلمين الذين حازوا على ثقة الشعب المصري حينها لكان الأمر قد قلب الأحداث وغيّر الموازين والصور والأفكار والمسميات، وكانت الفرصة الذهبية والثمينة لجماعة الإخوان المسلمين لتصبح ضمن أنجح الأحزاب والجماعات التي حكمت في العالم العربي والعالم الإسلامي، لكن ذلك لم يكن ووقع عكس ذلك تماماً. الاختيار منذ البداية لمن سيحكم ويكون المسئول الأول للدولة المصرية بعد الثورة الثانية لم يكن موفقاً – وتلك حقيقة – لعدم توافر مقومات الشخصية الحاكمة في شخص الدكتور محمد مرسي والمتتبّع لخطاباته ولقاءاته يقتنع بذلك، من باب (كل ميسر لما خلق له)، خاصة وأن الرجل حديث خروج من السجن، وفي ذلك ما يجعل نفسيته تميل إلى الانتقام أكثر من التسامح والتعايش مع الآخر الذي يتهم إنه كان وراء سجن الكثير من رجالات الإخوان ومرسي واحد منهم. وكأن جماعة الإخوان قد خلت من الكفاءات والقدرات ذات المواصفات القيادية، العالية ولا يوجد فيها من يكون في مكان مرسي ويقوم بتلك المهمة ويملأ مكانه ويقوم بواجبه ويظهر بشخصية وقوة الحاكم الأول في البلاد، لكن على ما يبدو أنه قد أصاب تلك الجماعة ما يصيب الكثير من الأحزاب والجماعات التي تتحول إلى دوائر شللية تستفرط بقرار الحزب أو الجماعة كيفما تشاء، لا يهمها سوى مكاسبها واستحواذها على القيادة والقرار والظهور والمكاسب والغنائم ولو كان على حساب الحزب أو الجماعة التي تسيطر عليها. الرئيس المصري الجديد عبدالفتاح السيسي يختلف كثيراً عن مرسي نظراً لكونه يمتلك – وتلك حقيقة لابد من الاعتراف بها - قدرات ذاتية ونفسية وأخلاقية وثقافية وفكرية تؤهّله لمنصب رئيس جمهورية مصر العربية، لا يختزل خلافه مع جماعة أو فئة أو أشخاص، وإنما لديه القدرة الذاتية لتحويل تلك الخلافات إلى جسور لقاء وتعاون بمعنى أنه قادر بذكاء ملحوظ على استثمار تلك الخلافات لتصب في صالحه وتدعم مواقفه. يلحظ المتتبّع لخطابات ولقاءات وأعمال وتصرفات عبد الفتاح السيسي الرئيس المنتظر لمصر أنه يتمتع بشخصية كارزمية تتناسب والمهمة التي تنتظره بجدارة واقتدار، الأمر الذي يجعله الأوفر حظاً لحكم مصر خلال الأربع السنوات القادمة. المنافس الآخر للسيسي في الانتخابات حمدين صباحي يمتلك كل مؤهلات القيادة لكن ينقصه تعاطف الجماهير معه، خاصة وأن الأحداث التي مرت بها مصر تجعل المواطن المصري يغلّب الأمن والاستقرار على بقية المطالب وفي شخصية عبدالفتاح السيسي يجد مطلوبه ومن سيعمل على توفير تلك المطالب المستعجلة. التحية كل التحية للشعب المصري الذي قال كلمته من أجل الأمن والاستقرار وذلك حقه وعلى الجميع بما فيهم الإخوان المسلمون العمل معاً والتعايش مع الآخر وفتح صفحة جديدة تحمل المحبة قبل السلطة والوطن قبل مكتب الإرشاد.