«واصل, واصل الامتحان اتسرب» هكذا كان يردّد أحدهم ناصحاً زميلاً له يهم بالنزول من الحافلة هو الآخر بدوره عاود صعود الحافلة ليواصل المشوار, لم تفلح جهود ركاب الحافلة في إقناعه بالذهاب إلى المدرسة والتأكد من صحة خبر صديقه؛ فقد تكون مزحة، في الطريق فتية يرتدون الزي المدرسي يقهقهون ويصرخون بعلو الصوت: «الامتحان اتسرب» وسط دهشة واستغراب المارّة, وما بين بعض يصفهم بجيل فاشل ومستهتر ويتهمهم بالمزاح والسخرية حتى في الأمور المهمة والمصيرية وبعض يترحّم عليهم وعلى أيام كانت فيها الشهادة العامة كابوساً يؤرق كل مجتهد, والشهادة هدفاً يجد من أجله ويكد كل مجتهد لينال العُلى. لاحقاً اكتشفنا أن أولئك الطلبة لم يكونوا كما صوّرهم البعض ظلماً وبهتاناً فشلة وتافهين, فقد كانوا محقّين, نعم كانوا محقّين, فامتحانات الثانوية العامة, وبالرغم من كل الإجراءات الاحترازية التي بذلتها وزارة التربية والتعليم لمنع ظاهرة الغش تسرّبت, نعم تسرّبت وهذا ما أكدته الوزارة نفسها, حينها أشفقت على أولئك الطلبة؛ فهم لم يكونوا يطلقون عنان ضحكاتهم إلا من شعور بالخيبة والألم, رأفت لحالهم وللحال الذي وصلت إليه قيمة العلم والشهادة, اضحكوا يا شباب، نعم اضحكوا فشر البلية ما يضحك..!!. كان تسرُّب نماذج الامتحانات هذه المرّة ومن عقر دار الوزارة كارثة وسقوطاً أخلاقياً وفقدان ثقة واحترام بين الطلبة وأوليائهم والكادر التعليمي والعملية التعليمية برمّتها, فتسريب الامتحانات وبهذه الطريقة يؤكد أن سماسرة الغش هم من الأجهزة التربوية نفسها, فاختراقهم لخطط وإجراءات الوزارة لمكافحة ظاهرة الغش السنوية يؤكد علمهم المسبق بكل تلك الإجراءات, وللأسف كان ما كان..!!. بعد الكارثة ظهرت قيادة الوزارة ووعدت ب«امتحانات لحقة» وتوعّدت أيضاً بالكشف عن الجُناة وبعقوبات حاسمة لمن كان سبباً في تلك المهزلة, وبسقوط أهم نصب موكل إليه تربية وتعليم أجيال وأجيال قيم الأمانة والجد والاجتهاد, فإذا به وبغياب ضمير الجُناة يصبح ملهماً لرذائل التحايل والغش والرشوة. حقيقة أجد نفسي لا أفصل بين مهزلة تسريب امتحانات الثانوية العامة وضرب أبراج الكهرباء وتفجير أنابيب النفط وأزمات المشتقات النفطية, فكلها تصب تحت فعل واحد منظم وممنهج, وتقف وراءه ذات الأيادي التي مازالت ترفض لفظ نفسها الأخير والانتقال إلى عالم ما بعد الكرسي إلا بعد إلحاق الخراب والدمار في كل جوانب الحياة بهذا البلد. أتمنّى أن يصدق وزير التربية والتعليم ويكشف للرأي العام المجرمين المسؤولين عن تلك المهزلة ليكون بذلك صاحب الصدارة والسبق في المحاسبة والجزاء في وزارته, ويكون أول وزير يسنُّ سنّة الثواب والعقاب, ويدشّن مبادئ الشفافية والوضوح بين المسؤول والمواطنين, ويمكّن طلبة العلم وأولياءهم من استعادة ثقتهم بالتعليم والعلم في هذا البلد, وليصبح لدينا ولو لمرّة واحدة في هذه البلد جُناة يُكشفون إلى العلن, ويرتاح ضحاياهم لمحاسبتهم..!!. رابط المقال على الفيس بوك