كمن يسافر من عمران إلى شيكاغو، انتقلت بنا الأخبار من مدرجات مونديال البرازيل، إلى مشايخ الحيمة بصنعاء، وكأن علينا قياس الفارق الإنساني بين دموع ليونيل ميسي بخسارة بطولة العالم ودموع شعب ألهبها دخان قاطرات الديزل التي أحرقها شيخ غاضب في الحيمة، ومن دون أن يقول له أحد: لماذا؟!. يا إلهي.. شيخ سوقي يقدم على إحراق قاطرات الديزل على بعد 50 كيلومتراً غرب العاصمة، لأن الدولة لم تلب مطالبه الشخصية، فقرر معاقبة دولة وشعب، لكي تتوقف الدولة عن «البلطجة» في المرات القادمة وتنفذ أوامر الشيخ.. نعم لا صوت يعلو فوق صوت «العربدة». قبل سنوات قليلة أرسل وزير النفط الكويتي استقالته من أوروبا، لأن أنبوب النفط في بلاده انفجر فجأة، فشعر الرجل بالمسئولية، ورأى يد التاريخ الغليظة، وفكر ماذا ستكتب عنه، وبادر بالاستقالة، قاطعاً زيارة عمله الخارجية، ومودعاً عذوبة الألقاب. ولأني حديث عهد في السياسة، فقد كانت فضيحة كلية الطب على يد السفاح محمد آدم في مايو 2000 بداية مشوار الرصد لدي، أتتبع فضائح المسئولين اليمنيين التي تكفي الواحدة منها أن تحجب ضوء الشمس، و«بنطاعة» وجه لا أحد منهم يستقيل من منصبه... لدينا في اليمن «أنطع» مسئولين على وجه الأرض، كل واحد ماركة «أبو ربل» لن يقدموا استقالاتهم لو تحرق اليمن كلها، ولو تخرج المظاهرات الغاضبة من غرف نومهم، فحلاوة الكرسي هي الأهم الأبقى.. من يتجه إلى الحيمة، ويرى منظر القاطرات واللهب يعلو السماء، والدخان يملأ المكان، يكاد يسمع صوت الدولة المدنية يتهشم في صدره الحالم، إذ لا قيمة في هذا البلد إلا للسفيه والهمجي وتاجر الممنوعات وتجار السياسة، ولو كنا في دولة تقدر مسئوليتها لتسابق مسئولو الدفاع والداخلية أيهم سيستقيل أولاً، أو على الأقل أيهم سيأتي بالجاني مسحوباً على وجهه إلى حرم القضاء... أعرف أن هناك من سيقول: ما علاقة الدفاع، فهذا مهام الأمن... هذا صحيح لو كان في سياق وضع طبيعي، وليس في دولة تتآكل كل يوم.. نبكيك اليوم يا وطني، وغداً سنبكيك أكثر... إنما «يوماً ستحبل من إرعادنا السحب»... ولن يمر المرتزقة فوق أحلام شعب بأكمله. [email protected]