تيارات الحياة تدهمنا في كل لحظة، وهي تيارات متداخلة ومتناقضة، لديها رغبة في قتل كل من يقف أمامها والتهامه، الإعصار يأتي هنا أو هناك، قوّته موقتة بزمن عابر نفسه قصير، وفي هذا نقطة ضعفه، وكل التيارات الأقل تأثيراً، السيل الجارف مثلاً قوّته في لحظة مروره؛ وهي نقطة ضعفه، ومن هنا فإن مقاومة التيارات المارة هي في معرفة كيف تتعامل مع مروره وغضبه، وتتعامل مع اللحظة العابرة. المعركة تكون هنا مع الزمن الذي يمرّ به التيار الجارف، والإنسان وحده هو من يستطيع التعامل مع قوة التيار بل وترويضه وبعض المخلوقات لديها حاسّية رفيعة في التعامل مع الموجات والتيارات المارة وتجاوز أثرها واستيعابها وتجاوز مخاطرها. يقولون إن «الفئران» دائماً ما تنجو من الزلزال؛ لأن لديها حاسّية استشعار قدومه فتخرج إلى الأماكن الآمنة؛ المعلومة هنا هي قوة المقاومة لتجاوز التيارات والزلازل التي تملك قوة وقتية وتذوب مثل فص الملح، ومن لا يملك اليوم المعلومة يكون كساعٍ إلى الهيجاء بغير سلاح. الانحناء للعاصفة ليس حلّاً مثالياً؛ ليس دائماً يكون الانحناء سبيلاً للنجاة؛ لأن بعض المنحنين لا يقومون أبداً عندما يفقدون قوة ومرونة المقاومة وروحها؛ لكل عاصفة وتيار قوّة معينة وأساليب محدّدة للمقاومة يختارها الإنسان زماناً ومكاناً، قوة الاختيار هي القوّة التي تميّز الإنسان وتجعل منه قوة جبارة، وهذه القوّة هي العمل بعد تفكير واختيار القرار الأفضل. تيارات المجتمعات مثل تيارات الطبيعية قاسية وعمياء ودون هدف، والمجتمع القوي هو الذي يقاوم شرور هذه التيارات سواء أكانت سياسية أم اجتماعية أو اقتصادية بتهذيبها وترويضها وعدم مسايرته بالتقليد والمشي في ركابها. أحياناً تسري موضة ما ملبس أو مأكل أو عادة «مثلاً» كتيار من الغرب فتستقر في الشرق لتعكس مدى تخلُّف هذا الشرق وغياب الهويّة؛ لأن مسيرة التيار سلبية؛ بل موت، ومقاومة التيارات خاصة الجارفة والمفاجئة بالصلابة التي تتميّز بالحكمة هي الحياة والإبداع، ولهذا قالوا إن «الأسماك الميّتة هي التي تساير الأمواج» لترمي بها يميناً وشمالاً؛ بينما الأسماك الحيّة في العادة تسير حيث ما ترى مصلحتها وتقرّر مع أو ضد. إذاً الإنسان الواعي والفاعل هو ذاك الذي لا يمشي مع التيار بمجرد هبوبه؛ وإنما يقرّر بعقل وإرادة المقاومة وحماية نفسه؛ بل أشدُّ من ذلك الاستفادة من خير هذه التيارات وتحويل نتائجها التخريبية إلى مادة خير وبركة لصالح العام والخاص. ولهذا كان التوجيه النبوي محدّداً للمسار: «لا يكن أحدكم إمّعة؛ إن أحسن الناس أحسن، وإن أساءوا أساء» أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وهي حالة ذوبان تجعل الإنسان كريشة في مهبّ الريح لا قيمة له ولا وزن، وهي قضية لها علاقة بالتراكمات الحضارية وتخلُّف أو تقدّم الشعوب. [email protected]