قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« لايكن أحدكم إمعَّة،يقول:إن أحسن الناس أحسنتُ، وإن أساءوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم».. إلاَّمع والإَّمعَة هو من يتابع كل أحدٍ على رأيه، دون أن يثبت على شيء،وهو أيضاً من يقول: أنا مع الناس، والعرب في أكثر الأحيان لايصفون المرأة بأنها إمَّعة أو إمَّع، والمواطنة على الأمر الموافقة عليه، ومنه قيل «المواطنون» لأنهم متوافقون على الأمور التي بها حفظ مقدساتهم، وصيانة حاجاتهم، وتوطين النفس:تمهيدها ومحاولة حملها بالمعالجة على أن تألف ماليس في طبيعتها وتصبر عليه. وهذا الحديث النبوي الشريف أصل من أصول الاجتماع الكريم، ففيه إرشاد المسلم إلى خلق لايكون الإنسان إلاَّ به،ولاتصلح حياة الأفراد والشعوب إلاَّ عليه.. وهو أن يكون للإنسان رأي يعقد العزم عليه، ويعالن الناس به ويتصرف في حدوده مادام هذا قائماً على اقتناع وبحث وتنقيب. فمن العيب أشد العيب، ومن الشين أشد الشين أن يكون الإنسان تابعاً للناس، فهو معهم إن أحسنوا، وهو معهم أيضاً إن أساءوا، فمثله في ذلك مثل العبد الذي يتبع سيده، أو مثل الكلب الذي يسلك مسالك صاحبه لايبالي وقع على الخطر، أو وقع الخطر عليه، وإنما الإنسانية الحقة التي شرف الله بني آدم، ورفع منزلتهم عن منازل الحيوان، هي أن يكون للإنسان رأي يعتنقه ويمضي في الحياة على هداه.. فإن أحسن الناس هو معهم، لا لأنه تابع لهم، ولكن لأن رأيه وافق رأيهم، ولكن الناس إذا أساءوا فإن عليه أن يتجنب إساءتهم، وأن يلتزم هو جانب الاحسان. بل أن عليه أن ينصح لهم ما وجد إلى النصح سبيلاً، أخذاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر:«الدين النصيحة» .. قلنا: لمن يارسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم».. تلك هي سبل الإسلام، وذلك خلق المسلمين، بهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإليه وُجِّه ليكون الإنسان إنساناً خليقاً بالكرامة التي كرّمه بها رب العالمين، فسَّخر له مافي السموات ومافي الأرض، وسَّخره هو في عبودية رب السموات والأرض، وهي العبودية التي تنشأ عنها أقصى ماتتطلع إليه حرية الأحرار.