أثبتت التجارب عبر مراحل التاريخ الإنساني أن العنف يولد العنف.. وأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.. وأن الخلافات الفكرية أو المذهبية أو السياسية أياً كانت مشاربها وأطيافها العقدية أو الثقافية أو الجهوية هي قابلة للحوار والأخذ والرد. هذا ما يفرضه قانون التعايش السلمي، ومبادئ الحوار المسؤول الجاد، فالعنف يولد العنف وهذا نتاج طبيعي في تكوين النفسية البشرية، من هنا ندرك خطورة الموقف والنتائج وأن ثقافة الاستعلاء نهايتها وخيمة، فإما أن تُحرق أو تُحرق الجميع.. لذا لابد من سياسة الحوار والتفاهم والجلوس على طاولة المفاوضات دون إلغاء الطرف الآخر.. وعدم نبش الماضي الذي يثير الشحناء والبغضاء في النفوس وإعادة النزعات الماضوية.. فالسياسة لعبة قذرة.. هي أقرب إلى النظافة منها إلى القذارة.. والسياسة كما يقولون: بلا أخلاق لأنها تدور في فلك المصالح الذاتية والآنية والماورائية.. فالتاريخ مشحون بالتناقضات، فالعثمانيون عندما طردوا من مصر ومن الجزيرة العربية كان للسعودية الدور الكبير في ذلك.. وهكذا تدور عجلة التاريخ وعقارب الزمن لتؤكد أن الاستعمار مهما كان هو الوجه القبيح. فعندما تم طرد العثمانيين جاء البديل المقنع بثوب الخلاص والنجاة، ثم طرد الفرنسيين من مصر وتركت البلاد العربية في يد القوى العظمى تفعل فيها ما تشاء، وتمزق كيفما تشاء، وجاءت الطامة على العالم العربي اتفاقية: سايكس- بيكو التي مزقت الوطن العربي إلى دويلات ومشيخات. المؤسف أن الكثير من المحللين السياسيين يقرؤون التاريخ بطريقة سلبية ويفسرون أحداثه ووقائعه من منطلق أفكارهم الذاتية وانتماءاتهم السياسية والمذهبية وهذا الخطأ بحد ذاته.. متناسين الأمانة العلمية والثقافية والأخلاقية. لعل أكثر الهجرات والنزوح الذي حدث عبر التاريخ من قطر إلى قطر ومن دولة إلى دولة كان في عهد العثمانيين بسبب سياسة الاستعلاء والبطش والقمع وجور الحكام وفرض الضرائب الباهظة الذي أثقل كاهل المواطنين.. الغريب العجيب في الأمر أن الأتراك الذين سادوا وحكموا البلاد العربية لم يحملوا معهم مشروعاً حضارياً أو ثقافياً أو تنموياً لرقي ونهضة تلك الشعوب، وهذا ما أدى إلى تراجع وتخلف دور العرب آنذاك.. ومارس العثمانيون الأتراك كل أنواع العذاب وصنوفه باسم الدين "الخلافة الإسلامية".. وهذه مشكلة حكام اليوم، يجعلون الدين "شماعة" يعلقون عليها كل أخطائهم وسلبياتهم..وفي زخم الأحداث الراهنة التي تسود دول المنطقة بعد أن ساد عبر التاريخ من ظلم وجور من قبل العثمانيين الأتراك وثقافة الإقصاء وطمس الحضارة العربية وتشويه الثقافة الإسلامية، كل هذا شكل علامة فارقة في تاريخ العلاقات العربية- التركية السائدة اليوم، من هنا علينا أن نفيق ونقرأ التاريخ قراءة فاحصة ودقيقة لأن ثقافة الاستعلاء والاستبداد لم ولن تُنسى، بل ستظل محفورة في ذاكرة الشعوب مدى الزمن.. صفوة القول: التواضع شيمة من شيم الإيمان الراسخ في القلوب، (ومن تواضع لله، رفعه الله).. وإذا صلح القلب ومُلئ بالإيمان صلحت الأعمال، وحسنت النوايا وتسامت مكارم الأخلاق.. وحذار من ثقافة الاستعلاء، فإن العمر قصير وسويعات الحياة معدودة.. فطوبى للمتواضعين لله وللناس.. وصدق رسولنا الكريم عليه وعلى آله الصلاة والسلام القائل: (طُوبى لمن تواضع من غير منقصة، وذل في نفسه من غير مسكنة).. وصدق المولى القدير القائل: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً، والعاقبة للمتقين) القصص- (83)..فالتواضع من أعظم نعم الله على العبد، فكلما ازداد العبد تواضعاً ازداد إلى الله قرباً ورفعة وقدراً ومكانة عند الله.. وصدق الله عز وجل: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) آل عمران- (159). فالتواضع الجم وسمو الأخلاق والرفق من الأمور التي لا يقدر عليها إلا أولو الفضل وأصحاب الهمم العالية والنفوس الشامخة الأبية.. كلمات مضيئة: للمأساة أكثر من تعريف وأوجه.. هي تأتي وترحل.. أو تأتي وتستقر طويلاً.. وهكذا يمكر الزمن بالبشر، ويسخر من رغباتهم المتعددة وكل ما هو مأساوي يقوم على تعارض لا تصالح فيه بين البشر مهما كان بينهما من حوار وتسامح وتصالح.. وهذا بيت القصيد..!! نافذة شعرية: نجوت من مذابح المغول.. سرت مع القفار والحقول.. عبرت ألف سور.. رأيت في مزابل الشرق.. العور والأبواق والديوك.. مخصية تصيح.. رأيت فُلك نوح.. وأمماً مغلوبة تنوح.. وشعراء عدد الذباب.. عادوا من رحلة الضياع.. حالمين يحرثون البحر.. قبل طلوع الفجر.. رأيت بؤس الشرق.. وأفول الميلاد في دمشق.. رأيت فقراء الأرض.. وخيام اللاجئين.. منتظرين خيل صلاح الدين.. وصيحة الفرسان في حطين..