تشير السوابق التاريخية والدبلوماسية قديماً وحديثاً إن السياسة الأمريكية قائمة على أساس العلم والقوة العسكرية والاقتصادية أكثر منها على مبادئ الحق والأمانة والصدق , وخاصة مع العرب وقضاياهم .. فالحرب العدوانية الجائرة اليوم على اليمن بدأت تنحو منحى ما يعرف بالقوميات القطرية .. والهويات القطرية المهددة بدورها بنزعات انفصالية داخلية, بسبب الخلافات السياسية .. والنزعات المناطقية والقوى الكبرى هي أول داعميها سعياً وراء تحقيق أهدافها الآنية والماورائية .. هناك أطراف محلية وإقليمية ودولية مستفيدة من تلك الحرب .. وهناك تبادل سيناريوهات وأدوار إقليمية ودولية ومصالح مشتركة ومتباينة بين الفرقاء والخصوم والشركاء .. فالحرب وأزمات الشعوب لا تُحل إلا عن طريق الحوار الجاد المسؤول الذي أصبح في عصرنا الحاضر أمراً ضرورياً وحتمياً لا بد منه.. من هنا يمكن القول بأن الحوار المثمر قد أصبح ضرورة من ضرورات التاريخ المعاصر بل من متطلبات الحياة الحرة والعيش الكريم .. وبما من شأنه الوصول إلى الهدف المنشود نحو بناء الدولة المدنية الحديثة وتحقيق العدالة والمواطنة المتساوية والحكم الرشيد .. فالحوار العقلاني يعد اليوم جزءاً لا يتجزأ من مسار الحوار بين الحضارات والثقافات والأديان .. ناهيك عن حوار الأشقاء والعقيدة , والوطن الواحد .. والهوية الواحدة .. فالحضارات في كل بقاع الأرض قامت على قاعدة الدين والقيم والمبادئ والأخلاق حيث يعد الدين منذ القدم وحتى يومنا هذا في نظر الكثير من العلماء والمؤرخين والباحثين في الشرق أو في الغرب المكون الرئيسي لأي حضارة من الحضارات .. بالإضافة الى اللغة والتاريخ والثقافة والتراث .. من هنا تصنف الشعوب الشرقية حضارتها بأنها حضارة إسلامية وتصنف شعوب الغرب حضارتها بأنها حضارة مسيحية .. لذا فإن الحوار العقلاني والمنطقي لا يمكن عزله عن ألوان الحوارات الأخرى بأي صورة من الصور .. وقد أكد هذه الحقيقة أحد علماء الأنثربولوجية بقوله : (لكي يكون هناك سلام في هذا العالم لابد أن يكون هناك سلام بين الأديان والمذاهب والملل..) إذا كنا في الماضي قد شهدنا حروباً شعواء.. وصراعات دامية بسبب المشاحنات السياسية .. والنعرات الطائفية والتطرف الفكري والديني وتحت مسميات دينية وغيرها فقد آن لنا أن نعود إلى رشدنا كأمة واحدة تُؤمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبياً ورسولاً .. ونعي قول رسولنا الأعظم القائل فما معنى الحديث ( أتركوها فأنها منتنة ) والقائل : (ليس منا دعا الى عصبية) (كلكم لآدم وآدم من تراب) وهكذا نجد أن أي حوار لا تسوده روح المصداقية والشفافية والوضوح لن يكتب له النجاح سنظل ندور في حلقة مفرغة .. لذا لابد أن ينطلق الحوار من قاعدة الاحترام المتبادل والمساواة التامة بين جميع الأطراف .. ومن منطلق رؤية توافقية حاضرة تقوم على مبدأ احترام آداب الحوار دون الاستعلاء على الآخر .. أو استخدام الألفاظ النابية .. ودون إطلاق الأحكام المسبقة .. أو طرح الحلول الجاهزة حتى نصل بسفينة الوطن الى شاطئ الأمن والأمان .. إذا تأملنا آيات القرآن الكريم التي تخاطب النبي ورسول الرحمة والهداية مع أهل الكتاب , فما بلنا نحن كأمة واحدة وشعب واحد وعلى عقيدة واحدة .. يقول الله عز وجل مخاطباً رسوله وأمته : ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله ) سورة آل عمران – 64) فهذه دعوة حوار صريحة ومفتوحة بين فرقاء العقيدة ناهيك عن أشقاء وأبناء وطن واحد .. وعقيدة واحدة لهذا وذاك فلنكن يداً واحدة, على قلب رجل واحد لهذا الوطن الذي اعطانا الكثير ولم نعطه إلا القليل وإلى تلك الأجيال الصابرة الصامدة فانتم حكماء الأمة وعقلاؤها .. يسروا ولا تعسروا .. كلمات مضيئة : إننا في هذا العصر المتلاطم الأمواج حضارياً وثقافياً واجتماعيا, نريد أن نرقى ونرتقي في كل شيء , ولم ولن نرقى أو نرتقي إلا إذا سمت نفوسنا وأخلاقنا وارتقت عقولنا .. أما الرقي الحقيقي فهو الذي يأتي من داخلنا من إيماننا بالله ومن عقولنا فتستنير العقول , وتنير لنا الطريق .. هذا هو الطريق الأمثل ولا طريق سواه ..!!