التغيير" خاص أحمد عبد الله الصوفي* " لا قضية في هذا العالم تستحق أن يقتل من اجلها إنسان".. تتأكد كل ما مضى الزمن على نبوءة الفيلسوف والمفكر الأمريكي "هنتغتون" حقيقة أن العالم سيدخل مرحلة الحروب الدينية وصدام الثقافات ، فقد دلت الهبة الإسلامية الناقمة حول الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول محمد (ص) أن الدين قوة عالمية لا يمكن لمفكر أو استراتيجي أن يتغافل عن دورها في صناعة احداث ومتغيرات تهز الاستقرار العالمي وتشد اليها مشاعر المتدينين وتوحدهم في كتل مستعدة للثأر لمشاعرهم المجروحة مايجعل الاعتقاد ان في صلب كل رجل وامرأة في هذا العالم ولاءا متعاليا يرقى عن الاوطان والعواطف الانسانية التي تمنح الفرد في عالم تتآكل فيه الفرادة وتختفي السمات ليبقى الدين العنصر الاكثر فعاليه والاشد حضورا والسلاح الذي يقاوم به الضعيف والطاقة التي تحفز القوة للانتشار والسيادة . وعلى الرغم من ان العالم المعاصر يضم بين جوانحه عشرات الالاف من الاديان والمعتقدات الا ان العالم يجمع على انه لايضم ولايعترف الا بثلاث أديان سماوية هي اليهودية ، والمسيحية ، والاسلام . فإنقسام المسلمين انعكاس لحالة غياب دائمة لمؤسسة تعيد تنظيم العقيدة وتحدد اطارا لفهم الشريعه وتنسق اشكال تجددها ومواكبها المفارقة ان هذه الاديان قد استحوذت في صراعاتها وصداماتها العسكرية المتكررة وتنافسها المحموم للتمدد الى مناطق تطيح من رؤوس قاطنيها معتقداتهم السابقة اما تمسحيا او اسلمة للجغرافيا والسكان . لذا ضلت هذه الاديان تناصب بعضها اشد صور العداء ، وتنقسم على نفسها في اكثر صور الشقاق الانساني ضراوة وتنافس بين المذاهب والتيارات المختلفة ، ماجعلها تبدو على مسرح التاريخ ملفعة ومتأهبة لكل صور العنف دفاعا عن معتقداتها او اندفاعا جموحا لغرض صيغتها الكونية وهيمنتها العالمية ، وهو امر فرض على ممثلي الاديان الرئيسية الشروع في تأسيس حوار تقارب وانخرطت منظمات عالمية ادركت ابعاد هذا العامل في بناء سلام عالمي لعقد مؤتمرات وانشاء مواثيق تدعو للتسامح الديني من ادراك حصيف واستنتاج علمي كشف ان التطرف الديني يمكن ان يكون خطرا لايقل فداحة عن خطر الالحاد والتحقير للاديان بعد ان ترسخ الاعتقاد ان معظم صور النزاع العالمي يشتمل في جوفه بعدا دينيا او إثني وهو مايدعونا الى الزعم ان القرن الواحد والعشرين سيكون اكثر مراحل التاريخ ازدهارا لللاهوت الديني الذي يندمج بصورة عضوية بالسياسة والعلم ويرتبط بوشائج صلة بالتاريخ والحضارات التي هي ثمرة اسهام الدين كما انه الملاذ لحماية الامل الانساني الذي قد يصيبه العلم والاكتشافات المذهلة للحقائق بحاله يأس قد تضع كل البشرية امام هاوية المعرفة المجردة وهذا الامر يدعونا الى تأكيد الاهمية والحاجة لتدريس مادة اللاهوت الديني كواحدة من مصادر تغذية التفاهم بين الثقافات الانسانية ولتجنيب المؤسسات والافراد من الانزلاق الى الاوضاع التي تورطت فيها الصحف الدنيماركية التي لم تقدر ولم تفهم سيكولوجية ثقافة وتكوين ضمير عالمي اسلامي كما ان الاحداث التي نتجت عن نشر الصور تعطي لحوار الاديان موضوعات تعزز من دور واهمية بناء الادراكات الانسانية لقضاء هذا العالم المتعدد والمحكوم بحوافز ومحددات كثيرة لكن الدين يظل من ابرز هذة المحفزات التي يتسق او يضطرب نتيجتها التعاون الدولي فالمشاعر الدينية اظهرت انها ليست فقط قادرة على تحريك احداث العالم المعاصر بل ان اجبار النرويج على الاعتذار بطرح سؤالا عالميا هو هل نحن على عتاب فجر السيادة الدينية بعد ان اطاحت المتغيرات العالمية والتقنية بتآبو "السيادة الوطنية" وتمكنت السلعة والدبابة من اجتياح واسقاط النظم لكن رسما كاريكاتوريا انتزاع اعترافا بحرمة المعتقدات الدينية وهومتغير بالغ الاهمية سؤثر على منطق الحرب على الارهاب وسيفرض ادوات محتشمه تراعي سيادة واستقلال الروح الدينية في عالم تلتهمه التطورات العاصفة التي لم تستطيع بجموحها اختراق هذا البعد في تكوين الامم والشعوب وبالاخص الشرق الاوسط وهذا بحد ذاته يضع امام حوار الاديان واحدة من اوجه التعقيد للوصول الى اهداف تحقق التفاهم بين اديان العالم الرئيسية. يواجه المجتمع الدولي في مستوى تطورة الراهن مآزق تفجر الاصولية الدينية في الاديان السماوية الثلاث "اليهودية ، المسيحية ، الاسلام " وقد كشفت الازمات اندلاع النزعات عن جذر ديني يؤجج الصدام ويعوق فرص التسوية بسبب تمسك ممثلي الاديان بسيناريوهات متعارضة للخطة الالهية المقررة في هذة الكتب والتي جميعها تنسجم بنظرتها الاطلاقية ويقينها الاكيد بأن مشيئة الله صادقة وامينه وفقا لما لديهم من مسلمات تفتك بكل المحاولات التي اغرت بإمكانية تسوية واحدة من اعقد واطول النزاعات ونعني بها القضية الفلسطينية التي تلم اطراف النزاع لاتخاذ تدابير تجمع بين القبول التكتيكي بتسويات مؤقته دون ان تتخلى عن توليد وتحفز وتنفيذ طاقة تدمير تتجمع وتحث الخطى لتفرض نفسها كحقيقة لايكن تجاهلها . ويحتفظ انصار القوى الاصولية بمواثيق ومبادئ لاتتردد عن الاعلان دون مواربة هدف التدمير والازالة لوجود خصوم عقيدة وكيانا وهو الامر الذي دفع المجتمع الدولي الى البحث عن دروب واقرار مواثيق للتسامح الديني وتدعيم نشوء حوارات بين ممثلى الاديان اعتقادا منهم ان هذة الحوارات يمكنها ان تزيل سوء التفاهم وحالة العداء المستحكمة بين ممثلي الاديان عامة واليهودية والمسيحية والاسلام خاصة ، إلا ان الواقع لايدعم ولايوفر فرص نجاح لهذة الحوارات التي نسمع عن تفاصيلها ولم تلامس قضاياها اشد التعقيدات سكوتا عنها وهي موقف كل دين في النصوص المقدسة لدى اهل هذا الكتاب او ذاك من اهل الكتب الاخرى . كما ان الحوار لم يستطع ان يمكن المؤسسات الدولية من ادارة تؤثر في وتيرة العنف ولم تقلص من مساحة انتشار الحركات المتطرفة التي تتمسك بصيغ سماوية تغذي الاعتقاد بإنسجام تدينهم مع مقتضيات التعاليم والواجبات المناطة بهم سماويا . لذا وقف الحوار الحضاري بين الاديان امام الابواب الموصدة دون ان يطرقها وتحاشى الولوج الى جوهر النزاع الديني وسكت عن الاجابة على اسئلة تأخذ في تأثيرها حجما عالميا وتقوض استقرار العالم . هل سبب ذلك ان الحوار الديني اتخذ طابعا بروتوكوليا وصورة مشاهد تعبر عن نوايا حسنة دون ان تحمل شئ من الثقة بإمكانية وصول هذة الامور جميعها تكشف ان البشرية لازالت عاجزة عن السيطرة على مكامن الخطر الذي يتزايد تهديدة ليس فقط بسبب قدرة النزعات الاصولية على امتلاك اسلحة دمار شامل ولكن بسبب عجز العقل الانساني ثلي الاديان الى تفاهم نهائي ينهي حالة الصدام والعداء المريرين لان الحوار تأسس على اعتقاد متعارض يقوم على استحالة الحفاظ على الايمان والالتزام الديني كماهو علية واقع التكريس والانتماء في هذه الاديان وبين التسلح برؤية متسامحة يستدعي من ممثلي الاديان القيام بجهد فكري عميق وتجديد للرؤية الدينية تتسم بالاتساق وتحقق ارضاء لكل معاني التدين دون تبديل المعني ودون حد من النطاق الزمني لاحكام وتعاليم الكتب السماوية ؟ هذا السؤال اذا كان تحديا ابرز امام ممثلي الاديان فإن تفصيلة وتوضيحة لكشف ابعاد تعقيدة يتجلى بصورة واضحة عند القاءه في وجه ممثلي الدين الاسلامي في حوار الاديان وبالاخص كيف يحددون موقفهم الديني وبالعودة الى القران من المسيحيين بصورة خاصة الذين تحتفظ لهم سيرة النبي محمد (ص) وآيات القران الكريم بمركز محوري ليس فقط في دعم دعوة محمد(ص) ومؤازتة ، بل في تفسير الهدف النهائي من الخطة الالهيه التي بعثت النبي محمد(ص) كآخر الانبياء فهل بعثته مبشرا بدين غير دينه الا وهو عودة المسيح . وهي النقطة الجوهرية التي تلتقي عندها اليهودية والمسيحية والاسلام مع الاحتفاظ بسيناريوهات يفسرها فقهاء ورجال دين في كل طائفة منهم . إلا ان هذا الجهد من الفقهاء في الاديان الثلاثة لازال بعيد المنال فقد استولت الاصولية المتحفزة والتي حققت لنفسها رواجا وكرست منطقها العنيف في تفسير الرسالات السماوية ومنحت لنفسها دور المحقق والمجسد للمشيئة الالهية سيطرة كلية على المجتمعات ومدت نفوذها لتصل الى احتكار وتوجية مقدرات وموارد الارادة السياسية في امم وشعوب وحضارات باتت اليوم تقاد من نزعة اصولية تقيد التفكير وتدفع الامم الى خيارات الصدام الديني وهو امر نراة ينعكس على موضوعات الحوار الى الاديان الذي يفتقر اليوم الى عمق في طرح المسألة واهدافها وملامسة عوامل تأجيج مرجل الكراهية الدينية وقد لاحظت من مشاركات في عدد من المؤتمرات الدولية وكذا عدد من الدعوات تحاول ان تجد لنفسها موقعا في المأزق الديني الذي ينخرط الجميع في جهود البحث عن فكرة تنزع صاعق التشدد وتحول دون جنوح الاوضاع الى حالة تزيد من العنف الديني . هذة الامور جميعها تكشف ان البشرية لازالت عاجزة عن السيطرة على مكامن الخطر الذي يتزايد تهديدة ليس فقط بسبب قدرة النزعات الاصولية على امتلاك اسلحة دمار شامل ولكن بسبب عجز العقل الانساني عن فك احجية علاقة التعارض بين اديان سماوية ثلاثة تجمعها ثلاث حقائق هي جوهرية ومحركة للعقل الانساني وهذه الحقائق هي : - الحقيقة الاولي :- ان ممثلي هذة الاديان بجميع تياراتهم وطوائفهم ومذاهبهم يلتقون حول فكرة توحيد الله العلي القدير كمصدر للفعل ومصدر لتخطيط المصير البشري وتوجيهه وهي تلتقي في جذورها العقائدية عند النبي ابراهيم علية السلام بالتعاليم التي كانت البذرة التي تشكلت منها مسارات العقائد الثلاث كأديان رئيسية لكن توحيدهم لله يتراجع عند التوغل في الاعماق الدينية البعيدة وينقسمون حول الامتيازات التي وهبها الله لهذا الدين او ذاك او لهذا النبي او ذاك من حيث ازلية واطلاقية هذة الرسالة من تلك وهو امر جعل الله الواحد يبدو متعددا في اهدافة وحوافز اصطفاءه ونقطة انطلاق وانتهاء مشيئته لكن في هذا التوحيد المتعدد والمتمايز بسبب غزارة اللاهوت الديني الذي تشكل خلال خمسة الاف سنة ماضية منحت مشيئته واهداف رسالاته ابعادا انسانية وقومية واظهرت صورة الله المنحاز كلية الى اليهود بل - ربا يقتصر عليهم – وجعلت المسيحية تقدم صورة لاله انساني لايمكن الوصول الية الاعن طريق السير في ذات الدروب وعبر طقوس محددة اصطفاها دعاة المسيحية على اختلاف مذاهبهم والامر عينه بالنسبة للمسلمين الذين يعتقدون ان محمدا هو اخر الانبياء وان الله اختار العرب في الجزيرة ليحملوا راية تفسير مشيئته النهائية رغم انهم جميعا وبعد هذاه القرون الطويلة يخفون ان قاسمهم المشترك في التوحيد ليرتبط كذلك ) ) قربى حول المصير الانساني الذي ينتظر عند المسلمين مجئ المهدي المنتظر الذي سيقاتل المسيخ الدجال وينقذ البشرية من مآزق وويلات تهددهم بالفناء على يد الظلم والكفر وهو الامر عينه عند اليهود والمسيحيين الذين تقاربا بعد الفين سنة من العداء حول حقيقة انتظار عودة المسيح رغم اختلافهم حول تفاصيل هذا السيناريو،الا ان اتفاقهم يذلل من صعوبات الحوار مع المسلمين الذين انفرد قرأنهم بإفراد آية لمريم العذراء وتأكيده عودة المسيح . وهذة القضية لم تبحث بعمق اشكال الحوار الديني وهي في نظرنا قاعدة تأسيس منطق ايجابي يقلل تراث الحوار. الحقيقة الثانية : - تتمثل في اجماع استثنائي يعيد الرابطة الروحية الى جذر الواحدية الجيولوجيا التي ينحدر منها الانبياء وجميعهم من صلب رجل واحد وهو ابراهيم وولدية اسماعيل ويعقوب ناهيك عن الرابطة الانسانية التي تعيد الاصل الانساني الى آدم ابو البشرية كما ان الرابطة الحسية سواءا في الاتفاق على الاماكن المقدسة كالقدس وبيت الله الحرام التي صلى محمد (ص) نحوها لاكثر من خمسة عشر عاما قبل ان يتخذ قبلة جديدة نحو مكة وهي اماكن تكتسب لدى هذة الاديان السماوية بشعائرها وطقوسها من جذر ابراهيم وتعاليمة القيمة الواحدة للاديان وهذا الجذر يثير تجاهله من قبل ممثلي الاديان اسئلة محيرة تبتعد عن اكتشاف واستثمار تأصيل التسامح لدى معتنقي الاديان . الحقيقة الثالثة : - لعب مسيحيو الشرق دورا رئيسيا في دعم ودفع العديد من المؤمنين للانخراط ومؤازرة دعوة الرسول العربي محمد (ص) منذ فترة مبكرة وهذا الدور الذي تمحور في تأكيد النبوءة على يد مسيحيين كورقة بن نوفل والراهب بحيرا وعدد من رهبان كنائس دمشق وملك الحبشة بل ان سلمان الفارسي الذي تنصر وخاض تجربة روحية في مناطق وكنائس عدة تفصح سيرته انه اتى الى الجزيرة بعد ان نما الى علمة ان العبادة الخالصة والصحيحة لله سيأتي بها نبي يعلن دعوته في جزيرة العرب ومكة تحديدا وقد اسلم بعد عام الهجرة وانخرط في الدين الجديد الذي لم يرى فية تغيرا لروح مسيحيته التي تمسك بها بدفع من الرهبان بعد ان سألهم الى اين علية ان يذهب ليجد ذلك النقاء الديني الذي عرفة عند اربعة رهبان تنقل بينهم حين وافت المنية معلمة . ومثل هذة الحقيقة نجدها في اسلام عمرو بن العاص الذي اعلن اسلامه على يد ملك مسيحي كما لو انه أودي على يد رسول الله ، وتؤكد الايات المدنية وهي آيات الاسماح عن تقارب وتطابق في اللغة والتعاليم التي دعا اليها كلا من الرسول محمد(ص) والرسول عيسى علية السلام وهذة الحقيقة تمثل مدماك قيمي لم يتسنى استثماره بصورة سوية من ممثلي المسيحية والاسلام اما لسبب ان المسلمين قد استقروا على اختصار اعمال مبادئ القرآن بتغليب وترجيح نفوذ والزامية آيات السور المكية ذات المنحى العنيف التي عطلت آيات قرآنية عرفت بصريح العبارة المسلمين بحقيقة مودة النصارى للاسلام بقولة عز وجل "لتجدن اقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالو انا نصارى" وهو ترجيح يوفر للمسلمين في اجواء التطاحن الديني الميل الى هذا المعسكر لكن ذلك يستلزم القيام بطائفة من الاجتهادات الدينية التي تستوجب إزالة التعارضات في تفسيرها خاصة التوقف عند مبدأ الجهاد الذي يستلزم معالجته بإنفتاح وتحرر وعلى ضوء متغيرات عالم في حقيقة الامر يشهد تطاحنا وصداما ليس بين الكفار والمنافقين من جهة والمؤمنين والموحدين من جهة اخرى بل بين ممثلي اديان سماوية موحدة لاتبرر إبقاء الجهاد فرض عين ولاتوفر الدوافع لتحريك آيات السيف ولاهوت العنف في مواجهة بعضهم البعض.* *انظر بحثنا حول هذة المسألة المقدم الى جامعة الاسكندريا في فنلندا بعنوان "لاهوت العنف المقدس " اليات ومصادر طاقة العنف المتولدة عن المعتقدات الدينية في اليهودية والمسيحية والاسلام.
استنفار طاقة الامم الدينية خلق نزاعا عالميا يعمق الكراهية ويؤجل فرص معالجة قضايا دولية مؤرقة ويهدد الاستقرار العالمي ، وقد كشفت تداعيات الرسوم للنبي محمد عن حجم هذه الطاقة المتوارية والتي يمكن ان تنفجر بمجرد الضغط على واحدة من حقائق الايمان الديني ويتحول الفاعلون في الاحداث الدولية الى رجال ماكرين قادرين على استخدام التدين في تحريك المسارات المحتقنة ونسف الاطر الدولية التي بدت هشة امام الجموح الديني وتعريض فكرة التعاون والاحترام لامتحان قاس يطيح بالآمال ويهز الثقة بإمكانية خلق تفاهم بين ممثلي الاديان . ان هذة التجربة القاسية تدلل باكثر من صورة ان العامل الديني لازال يلعب دورا محوريا في عصر افلت فيه دور الايديولوجيا عالميا لعنصر تحشيد لقوى التأثير على السياسات ، بل ان العامل الديني يمثل حضورا قويا ومؤرقا للمجتمعات الاسلامية التي تجد نفسها تنقسم داخليا الى تعبيرات عقائدية تكتسي التعبيرات السياسية المتحفزة نحو فرض نمط من الايمان على افراد المجتمعات التي لم يصل ادراكها مستوى الاعتقاد ان لاقضية في هذه الارض تستحق ان يموت من اجلها انسان. توطيد ايماني بهذة المقولة يتطلب قدر من معرفة التاريخ والتبصر في جدلة الغامض الجميل الذي يقرب البعيد وفق قانونه وضمن مشيئة وسنن التاريخ. ادرك الحاجه الى ان المعرفة اهم سلاح يمتلكه الانسان حتى يصبح تجسيدا عميقا لعالم صغير ويكون تكثيفا مبهرا لواحدية المصير الانساني الذي يمكن ان يترجمه عالم هو انسان كبير إلا ان جيلي الذي يتباهى بأنه انجز احلاما كبيرة كالتغيير الجمهوري للنظام والتجسيد لاولى خطوات الديمقراطية التي تمثل اعمق تطلعاتي والشروع في بناء قسمات مشهد تاريخ وطني جديد افرزته الوحدة الوطنية بين شمال وجنوب وهذا الانجاز في حقيقة الامر ليس هو كل ما انجزه اليمنيون خلال خمسة عقود من الزمن بل انجزوا قضية مهمة هي تدمير ارادة العنف المتأججة في ذاتية الانسان اليمني عبر تحطيم مدروس وموفق لصور اندلاع العنف اليساري الذي كانت تجسدة النظرية الماركسية كما جرى تدمير البيئة النعيفة التي تحيط بالنظام الجمهوري من تشكيلات قبلية ضلت لقرون تمثل تهديدا صارما لكل صور الاستقراء ، بل انها كانت ظاهرة تمركزت في قلب التاريخ السياسي الوطني ورغم هذا الانجاز كان العنف حاضرا حتى رغم تدمير كتلة الكبري – القبيلة والتيارات اليسارية والمؤسسة العسكرية – ورغم ذلك تجدنا اليوم محاصرين بثقافة عنف وبيئة عنيفة ونفسية محتدمة منساقة نحو الافصاح عن ميول تمثل نمطا من الجنون الديني الذي يفرز لغة غاضبة وتعاليم محرضة على العنف تتقمص كل اشكال الحياة وتتساقط من مسامات العلاقات السياسية والاجتماعية والثقافية وهي صورة قاسية لاتتربص بالامن الداخلي بل هي تسعى لافتراس كل اشكال الانجاز الذي تحقق عبر سيناريو يستهدف عقل هذة التجربة بعد ان كشفت التقارير والتحقيقات عن مخطط لاغتيال عشرات المثقفين وماكان لهذا السيناريو لينكشف لو لم يسقط ضحية نيرانه جار الله عمر الذي سلم لجلاده وسط اربعة الاف اسلامي التئموا في مؤتمر للتجمع اليمني للاصلاح . وكان هذا الخطر الذي هدد امان حياتي الشخصية قد لفت نظري الى حجم الخطأ التاريخي الكبير الذي تجاهلناه وفجأة نراه اليوم بأم اعيننا يحيط بنا من كل الجهات ويحرم ضحاياه حتى وهم في قبورهم من ان يعلنوا عن اخر رغباتهم في ان يدفنوا بشكل يريح اجسادهم في اوعية ربما لو صرح افراد اسرة جار الله عن وصيته لحرم حتى في موته من الانتماء الى هذا المجتمع في اعمق لاهوته وخرافاته التي نراها تتبلور كثمن باهض دفعناه لانجاز ما انجزناه وها نحن امام عقبة كأداء نقترش المسرح التاريخي وتشن هجمات دولية ماكنا لنفطن الى مغزاه وابعادة من رؤية خطر اللاهوت العنيف يدمر مبنى منهاتن كما يمكن ان نتحسس خطرة العميق في صورة هذا المشروع الذي تهالك عند ابواب كابول ليقدم لنا البرهان ان نزاعا تاريخيا محتدما نستضيفة في قلب مشروعنا ويتوقف علية مستقبل ذاتيتنا عبر الاختيار بين شرعية الدولة وشرعية الايديولوجية الدينية التي باتت جماعات وتشكيلات حربية تترصد ضحاياها وتتعرف عليهم بالصور وتراقب مقالاتهم وتنقلاتهم بتدبير وتأمر لايضع للعنف معنى سوى انه كابح غير واع للتقدم . هذا العنف الذي تحسسنا فداحة خطرة وحاولنا تمييزة عن مجموع معتقداتنا الدينية لننقسم تارة بين من يدافع عن دين وبين من يدين افعالا تنجز بأسم الدين. وهو عنف لايقف على قاعدة من المعرفة ولايتقصى طرق الحقيقة العميقة للتاريخ وتتقمصة صورة انجاز الماضي معتقدين انهم يقومون بمهمة كبرى تساعد الاسلام على ولادة التاريخ الذي صنعه الرسول (ص) متجاهلين أنهم بذلك يقدمون الحوافز غير الواعية لصنع تقدم يترسخ على حساب الاسلام ويلغي فرص احتلاله للمكان الملائم لدورة في المسيرة العالمية . انهمكت في بحث هذة الظاهرة التي تمثل احدى اعقد اشكال الوعي الذي يمثل تحديا امامنا لاسس منظورا اكثر عمقا واكثر اتساعا عن العنف الذي بات مسؤولا عن عجزنا ويهدد امالنا بالاستيلاء عليها والتحول الى بنية ثقافية متطرفة تتقرصن على ثقافة نظامنا السياسي لتحيلة الى متنفس عن اندفاعاتها الغضبة . ان استيلاء النظرة اللاهوتية العنيفة على ثقافة النظام السياسي الجمهوري قد فرض على هذا النظام شن اسئلة حول ذاتيته ومستقبلة وحصة الاجيال من قيمة كما فرض علينا مجتمعات ودول ان نكون جزءا من رحى حرب على هذا الداء الذي تغلغل في مساماتنا ويكمن في مناطق حساسة من وعي اجيالنا القادمة ليحيل هذة الحرب العالمية الى حروب يومية غير طارئة ولايمكن اذا ما ادركنا تلازم بعديها الدولي والوطني انها ابدا لن تكون حربا تحسم نتائجها في الجبهات الامنية والعسكرية ، بل ان اشد واضرى معاركها تخاض في الضمير الثقافي الذي تتشهى تجربتنا السياسية ان يكون بسمات قادرة ان تمد العالم بشئ من اليقين عن امكانية اسهام اليمنيين في مسيرة الانسان ونضاله من اجل الحرية والعدل لنعترف بحقيقة ان الصدام الذي تدور رحاه بين الحضارات والثقافات والدول والامم تستوطن اعماقنا وتجعل منها ساحة حرب لاتتوقف الابحسم يعيد تشكيل هويتنا التي هي بالحتم لم تبقى اسلامية خالصة ولن تسقط تحت اي صور من الارتهان والاغتراب القيمي هذة الهوية التي لابد ان تكون قالب متصالح في اعماقة كل الثقافات والحضارات التي من الاقدار ان نتشارك مع العالم حقيقتها نعم لن نبقى مانحن علية ولكننا لا نعلم بعد الدروب التي ستوصلنا الى ماينبغي ان نكون لنعترف ان هذة الحقيقة غريبة من بيئتنا الراهنه وربما تزيد من تأجيج العنف نحو رؤيتنا وتدفعها الى استهداف هذا التطلع بأخر ما بحوزتها من وحشية وقوة تدمير الا اننا ايضا يجب ان نعترف اننا المعركة وكل سلاح قادر على تجنيب امتنا خسارة نفسها وخسارة روابطها الوشيكة بعالم بات اكثر تأكيدا انهم بيئة ثقافية وعقائدية غريبه عن العصر وعن العالم وليست بحوزتها الطاقة الكافية لتواجه لحظة محورية يتشكل فيها قدر الانسان الذي لابد وان نكون جزءا منه . ولكي نكون جزءا منه ماذا علينا ان نفعل كيمنيين اولا دون الحاجة الى التعلق بوهم بددته خبرة قرون طويلة استحضرت عنصر الدم والتاريخ واللغه ليمنحنا دفئا كاذبا بعروبتنا وليس علينا التمسك بصورة العقيدة التي يحتاج الفرد للاطمئنان على روابطه ان يرى جارة في المسجد خمس مرات في اليوم ليستحق ذلك القدر الشحيح من المحبه والعون وحتى يتلفح بصور من الامان الخالي من اليقين بان عمقنا الانساني والوطني العاجز عن توحيدنا ليس بمقدوره الاتكاء على عمق اقل حضورا واضعف قدرة ومبلبل في هواجسه ليربط مصيرنا وليحدد معالم دورنا . واذا كنا لانستطيع الاعتماد على عمودين من العروبة والاسلام للشروع في نهضتنا والانبثاق من رماد انحطاطنا وعجزنا الا اننا لايمكن ان نسير الى المستقبل دون المرور بمحطتي الاسلام والعروبة الذين يجب اعادة صهرهما والتفتيش عن قسمات ايجابية في شكليهما لنتأكد ان كان بإمكاننا استخدام خامة العروبة والاسلام لخدمة سلامنا واستقرارنا وتطورنا . وهذا الامر لايمكن ان يتحقق اذا ماظل العرب والمسلمين خارج المسؤوليات التي جعلت الكيان الاسلامي كتلة غير متجانسة وتكوينا اجتماعيا مبعثرا استولت علية الاوهام والخرافات ومزقته النظرات الاحادية للعقيدة واستخدمته التطلعات الملتهبة الى كل صور السلطة وشهوة السيطرة ، فإنقسام المسلمين انعكاس لحالة غياب دائمة لمؤسسة تعيد تنظيم العقيدة وتحدد اطارا لفهم الشريعه وتنسق اشكال تجددها ومواكبها وهذا الامر لا اظن ان اليمن بمقدورة جمع الاطياف المبعثرة وتوحيد الرؤي الممزقة واعادة لحمة المنقسم ، لان اليمن ليس قوة اقليمية او مالية قادرة على فرض هذا الخيار على دول وشعوب تستمرئ العيش داخل قوقعة اوهامها الا ان اليمن بمقدورة ان يحتل موقعا كبيرا ومتميزا ان استطاع تنظيم اولويات استراتيجية نحو المستقبل والتي لابد وان تبدأ من نقطة مكاشفة النفس والاخر . والحديث عن اصلاحات كالتي تمت ونجحت في الغرب على امتداد قرون من النضال والجهد يمكن ان يبدأ هنا ليكون انجازا اقليميا ضخما ويؤسس الخطوة الاولى لولوج العرب والمسلمين نحو العصور الانسانية المحورية فبمقدورها تفسير المستقبل وبمقدورها ان تشجع جهدا يلامس نظام الثقافة السائدة . وهذا الامر ضروري ولابد وان يوجد ليس لرغبة في انقاذ الاسلام بل رغما عن اوهامه التي تثير الرعب والخوف وتحطم فرص عملية الهدم واعادة التركيب لتاريخ فشل العالم امام جموحة وتمردة لان مافشل في انجازه العالم يمكن اعادة صياغته بشكل واقعي ومن داخل البيئة والمكان الذين يمكن التحكم بمصادر الطاقة الجماعية ليس فقط لان اليمنيين كانوا خميرة هذا التشكل ، بل لان ايديولوجية العنف المتغطرسة لاتملك فرص الحفاظ على زخمها في المدى المنظور. اذا ماشرع اليمنيون في ملئ الفراغ القيمي سيجدون في اسلام المحبة والتجدد وسيلة انقاذهم واذا انغمسوا في تفاصيلة سيصبح نمط تدينهم عقبة قوية في وجة استعدادهم للانفتاح وهذا لا يعني التخلي عن منافع يمكن تحديدها للصلات الدينيه والقومية . ان امكانية اصلاح العقيدة يبدأ من نقطة تركز على تدمير العجز المتأصل في ذاتيته في نسج علاقات مع الخارج وتوفير الوئام في الداخل وافراز الطاقة الجاذبة لاكثر صور التطور ، والحد من الارتكاسات الارتدادية التي تختفي وراء الهدنه الدولية او التحريض على الخوف من تهديد بالتحلل اذا ماتوسع الانفتاح . لقد جرب الاوربيون هذا الدواء خلال قرنين السادس عشر والتاسع عشر وانجزوا اصلاحين بالغي الاهمية في صميم العقيدة المسيحية واليهودية ولازالوا يحافظون على سلامة ايمانهم وحافظوا على نقاء حركة تقدمهم واحتفظوا بدورهم العالمي دون التخلي عن القوة العميقة لمسيحيتهم التي باتت اكثر قوة ورسوخ . ان الاسلام اذا ما استمر على نهجه الراهن معتمدا على الرعشة الباطنية التي تجعل الفداء والتدمير ملكة استطاعت ان تهيج نزعات عدوانية متطرفة في الاديان الاخرى لتولد رعبا وقلقا عالميا بات يشغل مساحة عريضة من مصير العالم ليجعل الاسلام يتجرد من كل ثقافته وتتيبس اوراق محبته الغضة وينزع عنه قيمته الحضارية فهل هذا العنف جدير بهكذا قدر من التضحية ؟ وهل مهادنه تفجرة يجبرنا على تجاهل حقيقة الوظيفة التي يلعبها العنف الاسلامي في تمرير شكل اعادة صياغة العالم منطلقا من الخوف من قوة اسلام وتأسلم يندفع كمحرك للحظات تراجيدية باسم الدفاع ولكنه احد اكثر الاشكال خطورة لتهديد كينونتنا . لقد احالوا بمعتقداتهم الخاطئة عن الدين المنطقة مسرحا لمخطط دنيوي يفرغ المحتوى الانساني ويدمر فرص انبثاق شكل من العقلانية في العالم الاسلامي . وهذا الامر يستدعي كتحد وكواجب وكحاجة ان نعمل بجهد على بلورة استراتيجية فكرية لتأسيس تفاهم داخل الذات الواحدة "الاسلامية" ازاء الدين وموقع السنه لننطلق منها للتفاهم مع الغرب واذا ما جردنا ارثنا من كل مايمثل اداة تدمير للكينونة ومانع للتفتح السوي فهل سيكون ذلك في قلب الرؤية الدينية التي اكتسبناها واصبحنا نرى العالم على اساسها ام بمكان جديد نحتاج الى اعدادة وصياغة زواياه ولن يستطع انسان التحرر من الماضي او يستعيد حرية دينه الذي اختطف من فكر متطرف هو علامة على ان اعشاب سامه ضلت كامنه في اعماقة ونمت لتأخذ قسمات ميليشيات تروج للتقوى المسلحة وزعامات تسمم وتسد منافذ الهواء ، هذا المكان الذي نبحث عنه في العقل قد نجدة في اليمن صغيرا لكنه بوابة النفاذ الى حقيقة العالم والى حقيقة فهم الدين . ليس علينا ان نسير نحو المستقبل محاصرين بالخوف من التفكير في مالم يفكر فية الفكر العربي القديم والمعاصر ، وليس علينا السقوط في مساومة لتجنب تهديدات جدية ربما ستكون افدح خطرا من مواجهته وليس علينا ان نبعثر جهدنا في الدفاع عن اسلام لم نقبض على حرارته، اسلام ساهم في صنع التاريخ في لحظة تألقة ولكنه ما عاد بمقدورة اظهار امكانية تجدد ذاتيته وفهمه لاعماقه النقية. ان اصلاح هذا الدين وشكل التدين يبدو في صيغة حتم داخلي يتولد عن الحاجات والضرورات الموجبة لاصلاحه او انه سيأتي نتيجة ضغوط خارجية كالتي واجهته المسيحية في القرن التاسع عشر حين فرض الخارج الدولي صيغة إصلاح على بنيتها. * أمين عام المعهد اليمني لتنمية الديموقراطية