العشاري: احراق محتويات مكتب المعهد العالي للتوجيه والارشاد بصنعاء توجه إلغائي عنصري    غارات على صنعاء    صنعاء .. طوابير سيارات واسطوانات أما محطات الوقود وشركتا النفط والغاز توضحان    «CNN»:الصاروخ على مطار بن غوريون خرق أمني لأكثر المواقع تحصيناً في «إسرائيل»    قال حزب الله إن العملية البطولية اليمنية في قلب الكيان الصهيوني تؤكد فشل العدوان الأمريكي ..حركات المقاومة الفلسطينية تبارك الضربة النوعية لمطار بن غوريون    شركات طيران أوروبية تعلق رحلاتها إلى "إسرائيل"    سريع يعلن المطارات الاسرائيلية اهداف عسكرية في سياق حصار جوي شامل    التحذير من شراء الأراضي الواقعة ضمن حمى المواقع الأثرية    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الدكتور عبدالله محمد المجاهد    الدكتور عبدالله العليمي يعزي العميد عبده فرحان في استشهاد نجله بجبهات تعز    نصيحة لبن بريك سالم: لا تقترب من ملف الكهرباء ولا نصوص الدستور    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 52535 شهيدا و118491 مصابا    تحالف (أوبك+) يوافق على زيادة الإنتاج في يونيو القادم    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    ريال مدريد يتغلب على سيلتا فيغو في الدوري الاسباني    عدن: تحت وقع الظلام والظلم    «كاك بنك» يدشن خدمة التحصيل والسداد الإلكتروني للإيرادات الضريبية عبر تطبيق "كاك بنكي"    بن بريك اعتمد رواتب لكل النازحين اليمنيين في عدن    أعضاء من مجلس الشورى يتفقدون أنشطة الدورات الصيفية في مديرية معين    هيئة رئاسة مجلس الشورى تشيد بوقفات قبائل اليمن واستعدادها مواجهة العدوان الأمريكي    وفاة طفلتين غرقا بعد أن جرفتهما سيول الأمطار في صنعاء    الدكتور أحمد المغربي .. من غزة إلى بلجيكا.. طبيب تشكّل وعيه في الانتفاضة، يروي قصة الحرب والمنفى    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الأحد 4 مايو/آيار2025    الخبجي : لا وحدة بالقوة.. ومشروعنا الوطني الجنوبي ماضٍ بثبات ولا تراجع عنه    شركات طيران أوروبية تعلق رحلاتها إلى إسرائيل بعد استهداف مطار بن غوريون بصاروخ يمني    الوزير البكري يهنئ سالم بن بريك بمناسبة تعيينه رئيسًا للحكومة    وجّه ضربة إنتقامية: بن مبارك وضع الرئاسي أمام "أزمة دستورية"    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    بن بريك والملفات العاجلة    92 ألف طالب وطالبة يتقدمون لاختبارات الثانوية العامة في المحافظات المحررة    هدف قاتل من لايبزيغ يؤجل احتفالات البايرن بلقب "البوندسليغا"    ترحيل 1343 مهاجرا أفريقيا من صعدة    يفتقد لكل المرافق الخدمية ..السعودية تتعمد اذلال اليمنيين في الوديعة    السعودية تستضيف كأس آسيا تحت 17 عاماً للنسخ الثلاث المقبلة 2026، 2027 و2028.    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    لاعب في الدوري الإنجليزي يوقف المباراة بسبب إصابة الحكم    التركيبة الخاطئة للرئاسي    أين أنت يا أردوغان..؟؟    وادي حضرموت على نار هادئة.. قريبا انفجاره    مع المعبقي وبن بريك.. عظم الله اجرك يا وطن    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    رسائل حملتها استقالة ابن مبارك من رئاسة الحكومة    نقابة الصحفيين اليمنيين تطلق تقرير حول وضع الحريات الصحفية وتكشف حجم انتهاكات السلطات خلال 10 سنوات    - حكومة صنعاء تحذير من شراء الأراضي بمناطق معينة وإجراءات صارمة بحق المخالفين! اقرا ماهي المناطق ؟    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    "ألغام غرفة الأخبار".. كتاب إعلامي "مثير" للصحفي آلجي حسين    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    الحقيقة لا غير    مصر.. اكتشافات أثرية في سيناء تظهر أسرار حصون الشرق العسكرية    اليمن حاضرة في معرض مسقط للكتاب والبروفيسور الترب يؤكد: هيبة السلاح الأمريكي أصبحت من الماضي    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    أسوأ الأطعمة لوجبة الفطور    الفرعون الصهيوأمريكي والفيتو على القرآن    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن في إستراتيجية تصدير التطرف الديني والإرهاب
نشر في نبأ نيوز يوم 12 - 09 - 2008

* الأمين العام للمعهد اليمني لتنمية الديمقراطية
**** الأصوليات المحاربة:
لا يمكن لدارس أن يتحاشى الاعتراف بأن القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين هما من أهم وأعقد مراحل التاريخ الإنساني . حيث إتخذ الصراع الدولي على المصالح والنفوذ بين الأيدلوجيات المتعارضة قناعاً دينياً اتسم بالقسوة وولد انقساماً لا يمكن مقارنته بكل أشكال الانقسام الذي سيطر على العالم خلال الحقبة الموسومة بالحرب البادرة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي.
ومثل هذا الاستنتاج لاحظته الباحثة "كارين ارمسترونج " في كتابها" النزعات الأصولية في اليهودية والمسيحية والإسلام" حيث نراها تنفذ بعمق وبصيرة إلى استخلاص (إن إحدى أكثر التطورات إذهالاً في أواخر القرن العشرين هي ظهور قوى مسلحة تُعرف بالأصولية داخل كل تراث ديني رئيسي " . إلاّ أن القرن الواحد والعشرين قد أضاف أبعاداً خطرة إلى طبيعة وبنية ونفوذ هذه الظاهرة التي باتت تشكل جزءاً من العقل الدولي الذي يرسم إستراتيجية المصالح في العالم المعاصر. فبصعود جورج دبليو بوش إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية كممثل لتيار محافظ إتخذ التطرف الديني والنزعة الإرهابية إحدى الوسائل لفرض الهيمنة الأمريكية على العالم. وهو أمر شجع بروز وازدهار تيارات أصولية في الكيان الإسرائيلي كما دفع إلى السطح قوة تدميرية فعالة داخل منظومة العقيدة الإسلامية والعالم الإسلامي هو تنظيم القاعدة الذي يستند إلى ترسانة قيم ولا هوت عنف يجعل من نفسه المعبر عن حوافز القوة الأصولية الإسلامية متكاءً على تراث من الانتصارات التي تحققت في افغانستان وأدت إلى انهيار إمبراطورية سوفيتية كان العنف والتطرف الديني القوة التي أنهكتها وسرعت في سقوطها وهو ما جعل العقيدة الوهابية التي استخدمت لتدمير الخصم تنقلب إلى عدو للحليف الأمريكي الذي وضع الإسلام بكل مكوناته هدفاً رئيسياً في حربه التي انطلقت بذريعة أحداث 11 سبتمبر 2001م لتعترف الإدارة الأمريكية أن التطرف الإسلامي بات القوة الفعالة والقادرة على إستخدام موارد تكتيكية وإستراتيجية وتوظيف إمكانيات البيئة والنفسية العربية لتحشيدها خلف هذا التنظيم الذي بات جزءاً من عناصر الاستراتيجية العالمية للإدارة الأمريكية. فالتنظيم دأب على التواجد في مناطق الاحتياجات الاستراتيجية ليكون ذريعة لعنوان إسمه الإرهاب الذي تخوض به الولايات المتحدة حروبها ضد الدول والمجتمع والثقافة الإسلامية. ومن المظاهر البارزة لهذا القرن تشكل ظاهرة إضافية هي العنف الديني والتطرف الأثنى عشرى الذي تحول إلى عامل من عوامل تحريك السياسة الإقليمية والصراع العربي الإسرائيلي بنجاح تجربة حزب الله الذي إنتقل ليلعب دور الملهم والمعلم والمثال للسياسة الإيرانية في المنطقة. وهو ما يجعل ظاهرة التطرف الديني في العالم المعاصر يتخذ منحى الصراع بين الوهابية والأثنى عشرية بحيث تحول العراق ولبنان وفلسطين والصومال والسعودية ومصر والمغرب العربي واليمن ساحة واسعة لتفاعل ظاهرة الإرهاب والعنف الديني الذي تتقاطع أهدافه مع السياسة الدولية ويتحول إلى أداة غامضة ملتبسة الأهداف لكنها حقيقية لا يمكن القفز عليها أو تجاهلها لأنها موجودة في المسرح الدولي وفعالة في النطاق الوطني وبالأخص في الجمهورية اليمنية.
*** اليمن وإستراتيجية تصدير التطرف والإرهاب الديني:
يواجه اليمن اليوم تحديِ التصدي للإرهاب ليس باعتباره التزاماً بتحقيق سياسة تجفيف منابعه باعتباره حاجة دولية ، بل لأن خطر الإرهاب والتطرف الديني يشكلان تهديداً جدياً لاستقرار الدولة اليمنية والمجتمع اليمني، كما يشكلان بؤرة لتقسيم المجتمع بين المذاهب والمعتقدات التي تتقاسم أفراد المجتمع لتوزعهم في جبهات صدام تهدف إلى إلغاء هيبة الدولة ونفوذها وسيطرتها. كما أن هذا الخطر بات يستهدف الاستقرار والتنمية ويمثل هاجساً مؤرقاً لعملية النمو الاقتصادي. فالأحداث التي تجري في صعده والتفجيرات التي حدثت في مأرب وحضرموت جميعها تشير إلى أن اليمن قد دخل في دائرة الاستهداف الإستراتيجي بوسيلتي الإرهاب والضغط الأمريكي باسم الحرب على الإرهاب. والغريب في الأمر أن السياسة الأمريكية تتقاطع وخيارات القاعدة في المناطق والدول التي تحددها أمريكا لكننا نفاجأ بأن التطرف والإرهاب يتناغمان مع هذه الإستراتيجية والمدهش في الأمر الحضور الكثيف والأنشطة الغامضة، والتعبئة المدروسة، وثقافة الكراهية والتحفز للهجوم الذي نستقرء بعض تجلياته في هذا التوقيت وكأن الأصوليات التي تبدي تعارضات إعلامية فيما بينها, ونقصد الأصولية المسيحية والأصولية الإسلامية على إختلافهما ، إلا أنها تتكامل في خدمة بعضها. وليس أدل على ذلك من حفاظ الولايات المتحدة الأمريكية على المكونات الرئيسية للقاعدة. لأن القاعدة تخدم التطرف الاستراتيجي للمحافظين الجدد أكثر من خدمتها للمجتمعات الإسلامية والسؤال لماذا الآن؟ ولماذا اليمن؟ يبدو مشروعاً إذ لاحظنا أن أحداث 11 سبتمبر قد شكلت ضغطاً على التيار الوهابي وعلى حكومة المملكة العربية السعودية التي باتت في حرج أمام الإدارة الأمريكية، كونها الموطن الرئيسي للفكر الوهابي والبيئة التي تخلق فيها هذا الفكر والحاضنة لفورانه واندفاعاته، والداعمة لوجوده على خارطة المذاهب والتيارات التي لم تصل أي واحدة من المذاهب الإسلامية إلى ذات المرتبة والنفوذ الذي بلغته الوهابية بالثقافة والإدارة الدينية والسياسية كما بلغته المملكة. لكنها الآن وقد أصبحت هدفاً للولايات المتحدة الأمريكية فإن مقاومة تطرفها الدولي وخطرها الداخلي قضية مركزية أمام السلطات السعودية التي نشهد أنها أبدت جدية وجرأة في محاربتها. ولكن هذه الحرب التي لا أحد يعرف نهايتها لم تعد تمثل إغراء سياسياً ولا أحداً يضمن نتائجها على المدى القريب وبالتالي تبدل الموقف من التجفيف إلى التصدير، تصدير هذا العبء وهذا الخطر على السياسة السعودية وليس هناك أنسب من اليمن ليكون ملاذاً وهذا ما يفسر حركة الأفراد وحركة ألأموال وازدهار المشاريع التي تستنسخ من التجربة السعودية إلى اليمن بتعديلات طفيفة كهيئة حماية الفضيلة بدلاً من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تأكل نفوذها في المملكة بعد 11 سبتمبر إلاّ أنها وجدت لمواردها البشرية والمالية ولإستراتيجيتها في الكمون إلى أن تمر عاصفة الحرب على الإرهاب لتجدد نفسها وتحتفظ بكامل طاقتها في أرضٍِ ودولة تتمتع بخصائص تجعل منها أفضل الخيارات الممكنة قياساً بدول الجوار الأخرى كعمان والأمارات وقطر والكويت وحتى العراق ذي الأغلبية الشيعية. وربما كانت إيران والتيار الأنثى عشري يفكر بنفس الغاية وهو يجهز ويعد طاقة الشباب المؤمن لبناء معقل حربي في صعدة ضمن إستراتيجية تطويق الجزيرة والخليج بحزام شيعي يجعل النفط رهينة بيدها ويؤمن خلفية كافية لتمكين القرار الإستراتيجي في المواجهة مع الإدارة الأمريكية عبر جعل اليمن ومنطقة صعدة الشرارة التي تشعل الحزام الشرقي لمنطقة الجزيرة والخليج. فكلاهما أي الوهابية والاثنى عشرية تتفقان في تقييم خيار اليمن كونه يتسم بالآتي:
• كثافة بشرية ومجتمع غالبيته من الشباب والفتيان.
• شح في الموارد الاقتصادية وتنامي الفقر والبطالة.
• تفشي الأمية يجعل الحدود بين المذاهب وحتى المعرفة الدينية نقطة ضعف.
• انفصال الريف عن المدينة يسبب تمركز القيم والخدمات في مدن محددة.
• ضعف نفوذ الدولة وغياب برامج إستراتيجية في مجال التحصين من التطرف.
• توفر بيئة تسمح بتعدد الأفكار وتسلل الإستراتيجيات الإقليمية والدولية.
إجمالاً تشكل اليمن بيئة مواتية لإستراتيجيتين : الإيرانية المتحفزة والوهابية الملاحقة لبناء قاعدة تستهدف السيطرة على الكتلة البشرية النوعية عبر تحويل الأقلية الزيدية إلى إثناء عشرية جعفرية والتنافس مع الوهابية في اجتذاب قطاعات من الشافعية إلى هذا المذهب أو ذاك. فاليمن أرض صراع بين مذهبين لكنهما في المطاف الأخير جزءاً من حسابات إستراتيجية معدة بدقة لدولتين تلقيان بمواردهما لتشكيل خارطة نفوذ ومناطق نزاع تحول بين الأهداف الدولية التي تسعى لجعل المملكة وإيران أرض صراع. إلا أن تحقيق هذه الغايات قد جعل من الإدارة الأمريكية والأيات الإيرانية والمؤسسة السعودية تلتقي مع القاعدة والجماعات الإرهابية عند ثلاثة مهمات لأبد من إنجازها للوصول إلى الأهداف النهائية وهي: .
تدمير إمكانيات وهيبة الدولة في عقل الرأي العام بحروب متفرقة وعمليات تدمر أسس الاقتصاد والثقة بالدولة وتنهك الجيش وتربك المؤسسة الأمنية.
تحقيق السيطرة في الواقع على قطاعات المجتمع عن طريق التنظيم وتشجيع الانخراط في منظومات مختلفة ترتبط بالمسجد وتمر بمراحل إعداد الخلايا والتشكيلات والتنظيمات القائمة على أسس دينية متطرفة وصولاً إلى احتكار تمثيل الدين في مواجهة الدين الرسمي. وهذا عن طريق استغلال مجمل الاحتياجات الاقتصادية أو التطلعات الفردية الدينية النبيلة في ضمير المجتمع.
3. الاستيلاء على المجتمع والسيطرة على إرادته بتعميم الجهل أو تحويل الجهل عقيدة للسيطرة بحيث يكون للمجتمع حروبه ومواجهاته داخل الأسرة لاختطاف مبدأ الولاية وحق المسئولية على المجتمع من الدولة وحصرها في يد هذه الجماعات عن طريق إنشاء مؤسسات وجمعيات وبناء منظومة إعلام يروج للورع العنيف والتقوى القاسية. أو استلهام بريق حزب الله كمادة قادرة على اجتذاب الرغبة العارمة في وجدان المجتمع الإسلامي المتشوق والمتحفز للخروج من حالة الضعف أمام العدو الإسرائيلي التي يرجعها كلا الطرفين إلى سبب وأحد هو الابتعاد عن الدين الحق.
محددات وتجليات التطرف في اليمن
إذا كان التاريخ الإنساني قد قدم لنا الأدلة الكافية على أن الصراع بين الإنسان وأخيه الإنسان كان قديماً لكن دخول الدين كعامل مؤجج لمرجل الكراهية والبغض وشاحذ لنزعات التدمير قد جعل الصراعات قاسية ووحشية بل أنه لم يقم بتهديم الإمبراطوريات ولم يكتفي بالقضاء على الدول لكنه في الحقيقة دمر قدرة الإنسان في الثقة بنفسه ودمر صفاء أيمانه وعطل ملكاته وحول حياته إلى وهم يلاحق غاية الوصول إلى الآخر لنفيه وحذفه من الوجود وكانت هذه النزعة التي تفتتن بإنجاز الموت وصناعة الخوف وتقويض الاستقرار واحدة من الإسهامات التي شوهت صورة الإسلام الذي بات يفسر لا كما نعرفه كدين محبة ووئام وسلام بل دين يفسر نفسه بالعنف وتبهره وحشية الفتك والتدمير وهو أمر حوله إلى لاهوت مقلق للسلام الداخلي للمجتمع الإسلامي وعنصر يؤرق العالم من حولنا للتطرف الديني المستفيد من ثمرات العنف الذي لم يسهم في إنتاجه قد جعل منه خطراً مراً وعاصفة لا تبقي إذا ما استفحلت شيئاً يمكن الاعتماد عليه للوقوف كدولة ومجتمع وليس العراق والصومال وإفغانستان إلا أدلة على هزيمة خيار التطرف والإرهاب على بوابات الفوضى والفتك والعنف المجاني الذي يجتاح هذه المناطق وهو عنف أكدت التجارب المشهودة إنه طائش ومحكوم بحوافز غير مدركة ويخدم غايات هي ضد الإسلام وضد المسلمين مما جعل التطرف الديني والإرهاب حالة من الهذيان العنيف الذي غالباً ما يظل طريقه نحو العدو الرئيسي بالنسبة للوهابية والأثنى عشرية ليتحول إلى طاقة تدمير لتماسك المجموعات الإسلامية التي تعمم نزعاتها العدوانية على مخالفيها من أبناء ديانتها وهو الحال الذي تفشى في المنطقة العربية بتوسع الحركات المتطرفة التي تعتنق فكرة تدمير إسرائيل لكنها تبدأ في تدمير الذات عبر فتاوى تكفير تجيز قتل المسلمين وقد كنت أحد الذين كشفت الأجهزة الأمنية ما بين ثلاثين مثقفاً يمنياً صدر بشأنهم حكم الاغتيال وهو حدث تكشفًّ بعد أن قام متطرف يمني باغتيال أمين عام مساعد الحزب الاشتراكي اليمني بتهمة التكفير والخروج عن معتقدات الجماعات المتطرفة التي تصمم وتعيد تصميم فهمها للإسلام يتوافق وحاجاتها السياسية للتوسع في التأثير على شكل إدارة السلطة والتحكم بمصير الشعب وقد كشفت تجربة الحوار مع العناصر المنتظمة في تنظيم القاعدة أنها تستند في جموحها العنيف نحو المجتمع على نظرية دينية سياسية أتقنت وبإحكام رص مبرراتها وذرائعها نخب من رجال الدين حذقوا في انتقاء ما يعزز نشوء تيار عالمي جعل من افغانستان معملاً لإنتاج وازدهار لاهوت عنف إجتاح العالم العربي والأوربي متسلحاً بفكرٍ تدميري يقوم على الأركان الأساسية التالية:
يؤمن المتطرفون في الإسلام الأصولي اليوم بأن البشرية تعيش واحدة من صور الانحراف في حياتها، تخالف مقاصد الله الذي خلق الإنسان لعبادته وهم بذلك يتمردون على الفطرة المحبة لله إما بتربية لا تتعلق بالتوحيد الرباني أو بسبب التأثيرات الدينية التي تصيغ عقيدة الأفراد يهودية أو نصرانية أو مجوسية، لتخلق انقساماً في أمة الله الواحدة التي منحها الله برحمته هدى الدعوة المحمدية التي تستلزم الجهاد في سبيلها لتوحيد البشرية وتصفية ما علق بها من خبائث .. وهؤلاء يخالفون نصاً قرآنياً يشير إلى أن الله خلق الإنسان خليفة في الأرض ليعمرها ويكتسب كماله وقدرته وصفاء روحه الإنسانية وهو الجزء الذي يلتقي مع اليهودية والمسيحية الزاعمة أن الله خلق الإنسان على صورته وهم يتجاهلون هذا البعد.
إنشاء منظومة فكرية وعقائدية تميز الناس على أساس الشرك بالله وتحدد آيات ينتقونها بإمعان وأحاديث تجيز قتل المشركين أو نقلاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقال إنه أمر "أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا أله إلا الله" وهؤلاء الذين أجيز قتلهم محرومون من الجنة ومستباحة دماؤهم وأموالهم وأهلهم لأهل التوحيد.
ملاحقة سلوك الأفراد وتفحص ضميرهم لاكتشاف شك أو ريبة أو أهواءِ تتمرد على منظومة تفكيرهم ليوصم بالكفر، وإذا كان الكفر يبيح الدم والمال فإن مراتب هذا الكفر في تصنيفهم يأخذ أربعة مستويات يوجب العداوة الخالصة ويحظر على المؤمنين محبته وموالاته ولو كان أقرب المقربين ويفصل فقهاء العقيدة السلفية معاني عدة لموجبات الكفر كإظهار الإسلام دون الصدق في الإيمان.. وهذا الأمر يستدعي تنظيم رقابة شاملة على المجتمع للتمييز بين المتكاسلين عن الصلاة في المسجد.. المهم أن النفاق من الكبائر التي اختلفوا في قبول توبته.
وهي مفردات تدخل بإحكام في قاموس الردة والفسق والضلال والجاهلية وجميعها تبيح سفك دم المتهم وهذا من أخطر جوانب التدخل بين إيمان الفرد وبين الله.
يتبع المتطرفون التعاليم التي تحدد الأفعال والأقوال التي تتنافى والتوحيد أو تنقصه كقراءة الكف وادعاء علم الغيب والتنجيم والسحر والكهانة والعرافة وتقديم القرابين وزيارة القبور وتشييد التماثيل والنصب والاستهزاء بالدين والحكم بغير ما انزل الله والادعاء بحق التشريع والتحليل والتحريم والانتماء إلى المذاهب والأحزاب والنظرة المادية للحياة والتمائم والرقي والتوسل والاستعانة بالمخلوق.
وبنظرة فاحصة إلى هذه القائمة نجد لاهوت العنف يحدد لنفسه أهدافاً تشمل الحضارة الإنسانية كلها، فالحكم الديمقراطي يصبح بهذا المعنى عدواً لإنه حكم يعتمد على مبادئ غير ما أنزلها الله، والبرلمان يقترف إثماً كونه قد امتلك حق التشريع القانوني ووضع بين يديه المقبول من الأفعال والمجرم فهذا السلطان اعتداء على حق الله وجبت مقاومته، كما أن الانتماء إلى الأحزاب السياسية أو اعتناق المذاهب الفكرية جرمُ اتخذه المتشددون أساساً لقرار اغتيال عدد من الكُتاب الذين صنفوا فأنهم يروجون لأفكار علمانية.
المهم هنا أن هذا الفكر يضع العالم والحضارة الإنسانية والعقل الإنساني هدفاً دائماً لموجات عنفه وينفرد في تعزيز قوة حجته معتمداً على عدد قليل من نصوص القرآن وأحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم التي كتبت في عصور متأخرة بعد موت النبي لتتولد عن ذلك ظاهرة مناهضة للحداثة والتقدم العالمي وتزعزع استقرار الدول واستقرار العلاقات الإنسانية. وهي ظاهرة لا يمكن الانتصار عليها ما لم يعاد بناء منطق ينطلق من داخل الفكر الديني يخلق التصالح أولاً داخل المنظور الديني الواحد لدى المسلمين ثم يبني جسوراً بين منظومة الوعي الديني الذي يحرك طاقة ملايين البشر في الأرض. فالوازع الديني بتجلياته وتحدياته العنيفة أضحى ايديوليوجيه تهدد لا استقرار العالم فحسب بل استقرار كل مجتمع على حدة. والخطر بات متنوع إما في هيئة أجساد مفخخة أو عمائم بيضاء أو سوداء محاطة بالرعب وكل حيل الشيطان أو في صورة طاغية عالمي كبوش ومن خلفه المحافظين الجدد وجميعهم صورة قاسية لتيار يحث الخطى نحو إشعال العالم بحروب دينية لا ترحم الصغير والكبير. وهو ما يفرض السؤال ما العمل وكيف في مواجهة الخطر؟ ما العمل وكيف؟
إذا كان التطرف والإرهاب لا يعرف وطناً وليس له جنسية محددة ولا دين ولا هوية وإذا كانت الحرب على الإرهاب والتطرف الديني مسؤولية العالم المشتركة دولاً وأدياناً ومنظمات وأشخاص فإن العلاج من هذه الآفة والمواجهة الرصينة لهذا التحدي يبدأ بأولئك الذين هم في قلب العاصفة الدموية العنيفة التي تستغل ثغرات إقليمية ودولية وتستخدم أدوات وطنية وتحيل العنف كواحدة من التقنيات تصدر من دولة إلى أخرى فإن المنطلق نحو التصدي يبدأ فردياً ووطنياً من خلال التركيز على جملة من المسائل وهي كالتالي:
1. إستعادة جوهر الإسلام المختطف واستحضار الكمال المحمدي المصادر فالإساءة للإسلام في حقيقة الأمر لم تقتصر على تشويه الإسلام من خلال الرسوم الدنمركية ولكن ما يلهم هذه الرسوم لتنال الرواج وتطعن في تسامح الدين الإسلامي هو استيلاء النزعة المتطرفة على تراث العنف في كل الأديان اليهودية والمسيحية لتطبعها بطابع إسلامي لتدين هذه العقيدة وتبرأ الأديان الأخرى بأخذ هذه النماذج مثالاً معبراً عن الإسلام. وهذا جهد يستلزم القيام بالعديد من الخطوات:
أولاً: أمام المسلمين مسؤولية ضبط شرعي وقانوني لمفهوم الجهاد الذي أصبح حقاً مباحاً لكل دعي ولكل جماعة ويوجه ضد المسلمين والدولة المسلمة بسبب نقص الاجتهاد وبسبب آخر تناسل مفرط للجماعات التي تمتلك حق التعبير عن الدين. والتالي توحيد المرجعية وتحديد معالم العقيدة في الموقف من الجهاد وتحديد محدداته وضوابطه وشروطه.
ثانياً : العمل على جعل المسجد مركز تنوير وميدان لإزدهار العقل والمعرفة والتحرر من إرث التبرير واجترار خطب مضى عليها أكثر من تسعمائة عام وتحويله أي المسجد إلى بؤره حيه ترتبط بقضايا الناس اليومية وتلتزم بإحياء قيم التسامح وتوحيد رؤية الأمة والتخلص من كل صور الأنقسام المذهبي فيما يتعلق بالنظر إلى الخطاب العام إلى الناس يوم الجمعة. وهذا الأمر يتطلب من الدولة أن تستعيد الولاية فيما يتصل بقواعد بناء المساجد وشروطها وبناء مناهج إدارتها والأنشطة التي تتم داخلها بالقياس إلى شروط الكفاءة لدى الأمام أو الواعظ ووطنيته ومعرفته المعمقة بالفضيلة التي تواكب احتياجات هذا العصر. وهذا الأمر يستدعي السيطرة الكاملة للدولة ورقابتها على المساجد عن طريق إنشاء لجان أحياء.
ثالثاً : إعادة النظر في قواعد عمل مراكز تحفيظ القرآن ومناهج التعليم الديني وشروط التأهل للإمامة عن طريق إدخال علوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلسفة وبالأخص القضايا التي ترتبط بحركة التاريخ وتنتج علماً نافعاً منتمياً ومتكاملاً مع العلوم الأخرى حتى لا تكون الجامعات ومراكز تحفيظ القرآن معامل إنتاج وعي أُحادي. كما أن من المطلوب وضع برنامج يوسع مفهوم التعليم الديني وربطه بقيم الوطنية ومراقبة الدولة لمدى جدية تنفيذ هذا البرنامج.
رابعاً: تبني إستراتيجية ضد هجوم التطرف وتجفيف منابع الإرهاب عن طريق ترشيد الطاقة الاجتماعية وتنوير المجتمع بحقيقة الحياة التي تمتد من الميلاد حتى الموت والقائمة على إعادة ضبط وتوجيه دور المدرسة والإعلام من خلال تبني مناهج تعليم للتربية الوطنية وبرامج تثقيف تنفتح على قيم إيجابية وتؤصل في الشخصية قيم الإحترام للحياة الإنسانية وتوظف الطاقة العامة لخدمة النمو والتطور العام. وهذا لن يتأتى إلاّ من خلال بناء مكونات وجدان ووعي بإسلام وسطي، وتسامح ديني وحوار حضارات معمق وبنّاء ولاء وحب للوطن وإستعداد نفسي وعقلي للحوار مع الآخر داخلياً وخارجياً.
2. إن خطر الإرهاب قد جعل الدول والمجتمعات تدخل في مواجهة عالمية مع الآخر البعيد أدياناً ودولاً وفي الوقت الذي تتحمل الدولة اليمنية هذا الكم الهائل من العنف والتطرف والإرهاب فإنها في الوقت نفسه تتعرض لضغوط خارجية نتيجة هذا الإرهاب من زاويتين :
الأولى: ضغط دولي أمريكي، أوربي.
الثانية: ضغط سعودي ، إيراني .
فكل هذه الدول تصدر مشكلاتها إلى اليمن رغم أنها الراعية والمستفيدة من هذه الظاهرة خلال الحقب السابقة لذا من الضروري عقد مؤتمر إقليمي يضم هذه الأطراف لمناقشة التدابير اللازمة. وهي تتجاوز مفهوم التدبير الأمني لمعالجة وتجفيف منابع الإرهاب والتطرف باعتبارها مسؤولية إقليمية وحاجة دولية لتنفيذ برامج طويلة الأجل تكافح وتعالج قضايا الفقر الذي يشكل التربة المواتية لازدهار وتطور هذه الظاهرة بصورة أساسية. كما أنه يعتمد على النزاع المذهبي والاختلافات الدينية التي هي بدورها تتطلب حواراً عقلياً رصيناً بين المسلمين أنفسهم من جهة وبين المسلمين وممثلي الأديان الأخرى من جهة أخرى.
أن الإرهاب خطر سيبقى ماثلاً ما لم تقم الدول والمجتمعات بالتصدي المنهجي لمصادره وبيئاته وشروط ازدهاره.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.