يدّعي ويطالب مدير البنك المركزي بعدن، ومعه بقية الخبراء في الشراكة، بضرورة توريد إيرادات المحافظات. في الظاهر، يبدو القرار قانونيًا، لكنه في الباطن يكشف حجم الفساد المالي المتراكم لسنوات، إذ يسعى البعض لاستغلاله لصالح فئات معينة من المسؤولين وأتباعهم في الداخل والخارج.
لو كان مدير البنك المركزي ووزير المالية ورئيس الوزراء ومجلس القيادة حريصين فعلًا على بناء نظام دولة بعيدًا عن شبهات الفساد وإدارة الأزمات، لكان أول قرار عملي يتخذونه هو إيقاف صرف الرواتب بالعملة الصعبة دون أي مبررات أو ضغوط أو اعتبارات حزبية أو قبلية أو أسرية.
فالوضع الراهن يتطلب وقف الاستنزاف المالي وكل ما يخالف قوانين وتشريعات الخدمة المدنية والمالية والدستور أيضًا، مع الإبقاء على صرف رواتب السلك الدبلوماسي فقط بعد مراجعة وتقليصها في بعض الدول، ومعالجة السياسة الخبيثة التي ترحّل رواتب موظفي الجنوب لأشهر، وإيقاف صرف رواتب المحافظات الواقعة خارج الجنوب أو للنازحين الذين تقع مسؤوليتهم على من يحكم أرضهم أو على المنظمات الدولية.
فالنازح يجب أن يُؤوى في معسكرات نزوح خارج المدن الجنوبية، لا أن يقيم في قلبها، حيث نجد كثيرين منهم يملكون شققًا مستأجرة أو محلات تجارية أو يعملون في بيع القات أو سيارات الأجرة، وبعضهم نقل وظيفته إلى مرافق الجنوب ويحصل على راتبين؛ راتب الوظيفة وراتب النازح. والمضحك المبكي أن هؤلاء الذين يسمّون أنفسهم نازحين يعودون في الأعياد والمناسبات إلى مناطقهم في الجمهورية العربية اليمنية، ثم يرجعون إلى الجنوب لمواصلة فيلم "تراجيديا النزوح الديموغرافي الممنهج".
أين أنتم يا قادة البلاد من كل هذه الأزمات والمشكلات؟ الشعب يجوع، والموظف الجنوبي يعاني منذ أربعة أشهر بلا معاش، وأنتم بلا شعور بالمسؤولية أو خوف من المحاسبة أو حتى من الله. وربما تصيبكم كوارث بسبب دعاء المظلومين الذي لا يُرد وباب السماء مفتوح. فلا تفرحوا كثيرًا بفسادكم، فإن كيد الله متين.
إلى متى تضحكون على ذقون موظفي الجنوب إعلاميًا بوقف الرواتب بالعملة الصعبة كتهدئة مؤقتة، بينما الواقع يزداد سوءًا وعبثًا؟!
فهل ستصحون قبل أن تصل البلاد إلى صراع الفقر والجوع في محافظات الجنوب العربي؟!