عندما تتوعد دولة الاحتلال الإسرائيلي على لسان وزير حربها بقطع رأس "حزب الله"، ويوجه جيشها على لسان المتحدث باسمه أفخاي ادرعي إنذارا عاجلا الى سكان جنوبلبنان بالمغادرة فورا، ويعقد مجلس الحرب الاسرائيلي الوزاري المصغر اجتماعا طارئا مساء اليوم الخميس لاعتماد خطة لشن هجوم على لبنان، فكل هذه العوامل تؤكد، وللوهلة الأولى، ان الحرب باتت وشيكة جدا، والمسألة مسألة ساعات وليس أياما او أسابيع. من الواضح ان "حزب الله" الذي أكد امينه العام الشيخ نعيم قاسم انه تعافى بالكامل واستعاد ترتيب بيته الداخلي عسكريا وسياسيا وقياديا، بات يشكل خطرا حقيقيا، ووجوديا لدولة الاحتلال، ربما أكثر من أي وقت مضى، فحسب التسريبات العسكرية الإسرائيلية استطاع الحزب استعادة قدراته الصاروخية الدقيقة، المصنعة محليا، وفتح قنوات تهريب للسلاح القادم من ايران عبر الأراضي السورية، ومن وراء ظهر القيادة المؤقتة الحالية المدعومة أمريكيا، ورغما عنها. *** هذه التهديدات الإسرائيلية غير المفاجئة والمسبوقة بغارات جوية استهدفت اليوم ما زعمته إسرائيل مصانع صواريخ، وقواعد تدريب للحزب في اكثر من منطقة، تؤكد ان اهداف العدوان على لبنان، وعلى رأسها القضاء على المقاومة التي يتزعمها الحزب، لم تحقق أيا من أهدافها، بل ربما العكس، أي أدت الى تقويته على أسس جديدة، فالدولة فشلت في نزع سلاحه (أي الحزب) واشعال فتيل الحرب الاهلية الطائفية، وانضمام لبنان الى منظومة التطبيع و"سلام ابراهام". مصدر لبناني مقرب من "حزب الله" قال لنا "ان القيادة الجديدة الشابة التي يحمل بعضها شهادات من جامعات عربية وعالمية، والبعض الآخر تلقى تدريبات في اكاديميات عسكرية في العديد من الدول الإقليمية (ايران)، والعالمية الصديقة (روسيا وكوريا الشمالية) هذه القيادة، لم تجدد الحزب ومؤسساته العسكرية والقيادية فقط، بل تتربع الآن على قمة قيادته وحدثت وطورت إرثه المقاوم السابق، وبنت "حزب الله" جديد، على أرضية هجوم يوم الاحد العظيم، الذي جرى خلاله قصف أهداف عسكرية في قلب تل ابيب وحيفا، وخاصة مقر الوحدة الاستخبارية الأعظم في العالم (الوحدة 8200)، وبيت بنيامين نتنياهو في قيسارية، وهو القصف الذي أجبر القيادة الإسرائيلية على اللجوء للإدارة الامريكية لاستجداء وقف سريع لإطلاق النار في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وكان الشيخ نعيم قاسم أمين عام الحزب مصيبا عندما لفت الأنظار، ومن موقعه القيادي الى هذه الإنجازات العظيمة. الرسالة المفتوحة التي وجهها "حزب الله" امس الأول الى القيادات الرسمية الثلاثة، اي جوزيف عون رئيس الجمهورية، ونبيه بري رئيس البرلمان، ونواف سلام رئيس الوزراء، والشعب اللبناني، تشكل أول انعكاس لمواقف القيادة الجديدة الأكثر صلابة وتصميما على مواصلة المقاومة والإصرار على التصدي للمؤامرة الامريكية الإسرائيلية على لبنان والمنطقة كلها. هناك أربع نقاط رئيسية تضمنتها هذه الرسالة المفتوحة، وغير المسبوقة، يمكن تلخيصها ومضمونها ومعانيها كالتالي: أولا: "إسرائيل" لا تلتزم بوقف إطلاق النار الذي تم التوصل اليه في تشرين ثاني (نوفمبر) الماضي وواصلت عدوانها على الأراضي اللبنانية، واخترقته أكثر من 5000 مرة، مما يعني ان الحزب لم يعد ملتزما به. ثانيا: لبنان معني بوقف العدوان وليس معنيا بالخضوع للإبتزاز والرضوخ لمحاولات استدراجه الى مائدة التفاوض السياسي، وبشروط العدو والوسيط الأمريكي المنحاز. ثالثا: يؤكد الحزب حقه المشروع في المقاومة ضد الاحتلال والعدوان الإسرائيلي الذي يريد إخضاع الدولة اللبنانية وإذلالها، والاحتلال المباشر للأرض اللبنانية. رابعا: رفض نزع سلاح الحزب، ومقاومته بكل لطرق والوسائل، فطالما هناك احتلال هناك مقاومة. هذه الرسالة المفتوحة، وايجازها لمواقف الحزب الصلبة، جاءت رفضا واضحا وقويا لبيان الرئيس اللبناني عون الذي قال فيه "ان التفاوض مع دولة الاحتلال هو الخيار الوحيد امام البلاد"، وربما لو لم تصدر هذه الرسالة، وبهذه السرعة، لأقدم الرئيس عون على ترجمة قناعاته هذه الى اعمال، والتجاوب مع طلب توم براّك المبعوث الأمريكي برفع سماعة الهاتف والاتصال مباشرة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لبدء المفاوضات. *** الجيش الإسرائيلي اذا نفذ تهديداته وشن هجومه على لبنان الذي أجرى مناورات برية وبحرية وجوية لمدة أسبوعين قرب الحدود اللبنانية استعدادا له وكلفت 150 مليون دولار، فإنه قد يكون ارتكب الخطأ القاتل سياسيا وعسكريا، وربما يكون مقدمة لنهاية وجوده، والأهم من ذلك سيؤكد بدئه للهجوم الوقوع في المصيدة الذكية لحزب الله الذي تجنب ان يكون البادئ بالحرب، وتحمل أكثر من 12 شهرا من ضبط النفس، وعدم الوقوع في مصيدة استفزازات العدو، وانتهاكاته لوقف إطلاق النار. نختم هذه المقالة، بالعودة الى الفقرة الأهم من أقوال المصدر المقرب من "حزب الله" التي نقلنا عنه آنفا ولم نذكرها، حيث قال بالحرف الواحد "ايران استخدمت 500 صاروخ دقيق فقط (فتاح، سجيل، خيبر) في حرب ال 12 يوما، وتمكنت من اختراق جميع الدفاعات الجوية الإسرائيلية المتطورة الامريكية الصنع، ونجحت في تدمير نصف تل ابيب، ومعهد وايزمان التكنولوجي الأضخم في العالم، وقتل وإصابة المئات، ان لم يكن الآلاف من الإسرائيليين، و"حزب الله" بات يملك 7500 صاروخ دقيق من الأنواع نفسها تقريبا، ان لم يكن اكثر، وهذه الصواريخ، والكلام للمصدر، لن تبقى في مخازنها في حال حدوث العدوان الإسرائيلي. في حرب "الاسناد" التي شنها "حزب الله" واستمرت عاما او اكثر للمجاهدين في قطاع غزة ودعما لهجوم "طوفان الأقصى" (7 أكتوبر 2023) هرب أكثر من 150 الف مستوطن من الجليل وكلفوا الكيان مليارات الدولارات من تعويضات ونفقات إقامة ومعيشة، ولم يعد الا ربعهم بعد وقف اطلاق النار.. ترى كم سيهرب من هؤلاء، وربما من تل ابيب وحيفا وعكا وكل مدن الساحل والوسط، في حال وصول صواريخ "حزب الله" الجديدة اليها كرد على أي عدوان؟ مئات الآلاف ام الملايين من المستوطنين، ولن ننسى في هذه العجالة الصواريخ اليمنية التي ستهطل مثل المطر دعما وتضامنا. حزب الله لن يحتاج الى صواريخ فرط صوت لانه حتى وان تواجد في شمال الليطاني، أي على بعد 30 كم من الحدود مع الجليل المحتل، فصواريخ الكاتيوشا وحدها تكفي.. وزيادة الخير خيرين.