المسلم المهاجر «زهران ممداني» الذي فاز -عن الحزب الديمقراطي- بمنصب عمدة مدينة «نيويورك»، بالرغم من أنه لم يمنح الجنسية الأمريكية إلَّا عام 2018، خاض المنافسة الحاسمة التي تغلَّب فيها على حملات التحريض التي تولى كبرها عشرات المليارديرات وهو معتز بإسلامه، فحقق -بإبطاله الباطل وإحقاقه الحق- على مرشّح الحزب الجمهوريّ «كورتيس سليا» ذلك الفوز المستحق الذي أصاب «ترامب» الخؤون و«كيان صهيون» بالجنون. مناهضة التوجه الترامبي والتهرب الضريبي بالرغم من أنَّ «زهران ممداني» المسلم الديانة الأسيوي الإفريقي الأصل تقدم لخوض سباق تنافسي لتبوئ منصب إداري وسياسي في مجتمعٍ غربيٍّ عهدت عنه معاداة الإسلام إلى مستوى قياسي، فإنَّ فوزه الباعث على التعجب بذلك المنصب لم يستند إلى دعم الأنظمة الإسلامية ذات القامات الهلامية ولم يتكئ على أنظمة «جزيرة العرب» التي أكرمت وفادة «ترامب»، بل حقق فوزه بتحيزه إلى الجموع الغفيرة من الجماهير الفقيرة وتبنيه -بمصداقية حقيقية- همومها الحياتية المعيشية، وبجرأته في مناهضة التوجه الأوليغارشي الترامبي والتهرب الضريبي التي عبر عنها بصراحةٍ لا يخالطها ريب بما صدر عنه -أثناء إلقاء خطاب الفوز- من انتقاد حادّ ل«ترامب» أشير إليه في مستهل الخبر الصحفي المعنون [زهران ممداني يهاجم ترامب في أول تصريح بعد فوزه برئاسة بلدية نيويورك] الذي نشره موقع «روسيا اليوم» في ال5 من نوفمبر الجاري على النحو التالي: (وجه العمدة المنتخب لمدينة نيويورك، زهران ممداني، انتقادات حادة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال خطاب فوزه، مؤكدا أن المدينة التي أنشأت ترامب هي ذاتها القادرة على هزيمته. وقال ممداني في كلمته: "إذا ما تبنينا هذا المسار الجديد والجريء بدلا من الهروب منه، فسنتمكن من مواجهة الأوليغارشية والاستبداد بالقوة التي يخشيانها، لا بالتودد الذي يرغبان به. فبعد كل شيء، إذا كان هناك من يستطيع أن يبين لأمة خانها دونالد ترامب كيف تهزمه، فهي المدينة التي أنشأته. وإذا كانت هناك طريقة لإرعاب طاغية، فهي بتفكيك الظروف ذاتها التي سمحت له بتجميع السلطة. فهذه ليست فقط الطريقة التي نوقف بها ترامب، بل الطريقة التي نوقف بها من سيأتي بعده". وأضاف مشددًا على أنَّ إدارته ستعمل على محاسبة الملاك الجشعين للعقارات: "إنَّ أمثال «دونالد ترامب» في مدينتنا أصبحوا مرتاحين جدًّا في استغلال المستأجرين، كما أنَّ المليارديرات مثله يتهربون من الضرائب ويستغلون الإعفاءات الضريبية". وأكد عزمه دعم النقابات العمالية وتعزيز حقوق العمال، موضحًا أنَّه "عندما يتمتع العمال بحقوق راسخة، فإنَّ الرؤساء الذين يسعون إلى ابتزازهم يصبحون صغارًا للغاية". تحيزه للحق الفلسطيني وإدانته العنف الصهيوني من المؤكد أنَّ انحدار «زهران ممداني» من أصل أسيوي إفريقي مختلط وتوجهاته اليسارية المعادية للأفكار الاستعمارية المنادية بمنح الشعوب ما تطمح إليه من حرية قد أسهما في ما لوحظ عليه من تحيز متميز للحقوق الفلسطينية وإدانةٍ صريحة لما يمارس ضد الفلسطينيين من حرب إبادةٍ صهيونية، وقد تمثل هذا المعنى الكاتب المصري «عبدالحليم قنديل» في سياق مقاله المطول المعنون [رصاصة ممداني في رأس ترامب] الذي نشرته جريدة «القدس العربي» يوم أمسٍ الأول بما يلي: (ولا تخفى أبدًا نزعة ممداني الفلسطينية، فوالده الأستاذ في جامعة «كولومبيا» كان صديقا للمفكر الفلسطيني العالمي الراحل «إدوارد سعيد»، وواجه الوالد «محمود ممداني» حملة الصهاينة المسعورة ضد المنحازين للحق الفلسطيني، وركام اتهاماتهم السخيفة بالعداء للسامية والعداء لليهود، ومن أقواله الأساسية المضيئة: «إن العداء للصهيونية ليس عداء للسامية»، وقد ورث «زهران» عن أبيه رؤيته التقدمية المنحازة لحق تحرير فلسطين، صحيح أنه عبر عن اختلافه مع حركة «حماس» مرات، لكنه لم يتخلف في حياته الناضجة ونشاطه العام عن مساندة القضية الفلسطينية العادلة، وفي سنوات دراسته الجامعية انتمى وساند بحرارة حركة طلابية باسم «حركة العدالة من أجل فلسطين»، وفي السنوات الأخيرة لم يتخلَّف أبدًا عن نصرة المقاومة، ورفض حرب الإبادة الجماعية الأمريكية الإسرائيلية في غزة، وطالب مرارًا باعتقال بنيامين نتنياهو مجرم الحرب المدان من محكمة الجنايات الدولية). كما عُبر عن ذلك في سياق تقرير «أيمن جزيني» التفصيلي المعنون [زهران ممداني الذي هزم ترامب] الذي نشره -بالتزامن- موقع «أساس ميديا» على النحو التالي: (ل«ممداني» مواقف لا يمكن القفز فوقها في ما يتعلّق بالقضيّة الفلسطينيّة، ولا ينفكّ يثير جدلاً واسعًا بآرائه، إذ يدعم حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات المعروفة بBDS، معلنًا بلا خوف أو تردّد أنَّ معاداة الصهيونيّة لا تُعدّ شكلاً من أشكال معاداة الساميّة، وتعهّد بالامتثال لمذكّرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائيّة الدوليّة والقاضية باعتقال «بنيامين نتنياهو» إذا زار الأخير «مدينة نيويورك». وفي عام 2023 قدّم «ممداني» مشروع قانون بعنوان "ليس بأموالنا: قانون إنهاء تمويل نيويورك لعنف المستوطنين الإسرائيليّين"، وينصّ على حظر المنظّمات الخيريّة المسجّلة في الولاية من تقديم التبرّعات للجهات التي تدعم المستوطنين الإسرائيليّين غير الشرعيّين في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، وشارك في إضراب عن الطعام لمدّة خمسة أيّام دعمًا لوقف إطلاق النار الفوريّ واستنكارًا لدعم الرئيس بايدن لإسرائيل في حربها في غزّة).