اتواصل به بين الحين والآخر اسأله عن حاله واحواله ...فيرد عن سؤالي بحمد الله وشكره، ثم يسألني سؤالا واحدا ووحيدا ( ماذا عملت اليوم ؟) ...او باللهجة اليمنية التعزية ..ايش عملت اليوم؟ ... ذلكم صديقي الذي يعيش ويعمل في بلاد الغرب ويزور تعز بين الحين والآخر ليشارك في خدمة مجتمعه بحسب وقته وفراغه. وسؤاله هذا المتكرر لي جعلني افكر في ماهية السؤال ... ولماذا وحده من بين كل الناس يسأل هذا السؤال ؟ ماذا عملت اليوم ...سؤال يختصر أسلوب التفكير وفلسفة الحياة ... سؤال ينبئك عن تأثير البيئة في صياغة السؤال .. فلو لم يعيش هناك لما كان هذا السؤال في اللاوعي عنده ! اي انه يسأل هذا السؤال بدون ان يفكر فيه. ماذا عملت اليوم ؟ هذا السؤال كان من صميم حضارتنا الذي قامت على العمل وحبه ،وكره العطالة والتعطل. وانظر معي إلى قول الله جل وعلا في محكم التنزيل الذي يساوي بين الجهاد في سبيل الله والضرب في مناكب الارض بحثا عن الرزق... ( واخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله واخرون يقاتلون في سبيل الله ) صدق الله العظيم كان هذا السؤال من صميم حضارتنا عندما قال الرسول العربي محمد -صلى الله عليه وسلم لأحدهم ( اذهب واحتطب، ولااراك خمسة عشر يوما .. الحديث ) وكأنه يقول له ...اذهب واعمل فكرامتك في عملك وليس في فراغك وتعطلك، اذهب فاحتطب فعزك في مهنتك. وكان هذا السؤال من صميم حضارتنا ايضا عندما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( إني أرى الرجل فيعحبني! فأسأل أله مهنة؟ فيقال لي لا فيسقط من عيني! ) .. كانت حضارتنا قائمة على اعتبار ان الإنجاز وتراكم الإنجاز هو الذي يعطي لعمر الانسان وحياته معنى وكما جاء في الأثر ( من كانت يومه مثل امسه فهو المغبون ) ... أي اذا لم تضف اليوم انجازا جديدا وعملا اخرا يضاف لانجازاتك اليومية لكنت من الظالمين لأنفسهم ... وفي حياتنا المعاصرة لم يعد العمل هو مصدرا للدخل او الرزق وان قل ...لكنه علاج قوي لمحاربة الكأبة والقلق والاحتراق النفسي .. اصبح العمل اليوم ضرورة للسواء النفسي وضرورة لاعادة الاعتبار للذات واعادة الاعتبار لهذه الذات في أوساط المجتمع. العمل اليوم هو ضرورة دينية ونفسية واجتماعية به يكون معنى للحياة وبدونه لامعنى لهذه الحياة. لذلك هنيئا لمن يعملون على اعداد وتهيئة الشباب والشابات للاحتراف والعمل عن طريق برامج التدريب والتأهيل والتعليم فهم بحق من يساهمون في اعادة الكرامة للانسان المهدور في مجتمعاتنا العربية والمسلمة .. ايش عملت اليوم ؟ أحاول ان أجد لهذا السؤال جوابا قبل الاتصال بصديقي الذي يباغتني دوما بذلك السؤال!! آخر الكلام .. الانجاز وان كان قليلا ، حياة ...والعطالة هدر للذات وللحياة ،وقتل للمعنى و موت قبل الموت .