البنشري هو الرجل أو الشاب الذي يقوم بتغيير إطارات السيارات, ويقوم بتغيير زيوتها وصيانة البطاريات, بمعنى آخر هو إنسان محترم وشريف, ومهنته محترمة وشريفة, وكل عمل هو قيمة شريفة وكريمة, وكل مهنة يعرق فيها الإنسان تعلي قيم العمل وتجعل الآخرين ينظرون إلى من يعمل في كل المهن نظرة احترام, والمهن المحتقرة هي أقدم مهنة في التاريخ البشري لا سواها, السؤال: لماذا يعير البعض البعض الآخر بأنهم (مجرد بناشرة), وهم في نظر قيم العمل شرفاء مكافحون أفضل من المتنطعين, ومن يتاجرون بأقوات الناس, ويسرقون حتى اللقمة من أفواههم !!. وقد اشتهرت منطقة واحدة في الحجرية بامتهان (البنشرة) إذا صح التعبير, فأبناء الأخمور هم من يمتهنونها, وهم شرفاء محترمون, لا تملك إلا أن ترفع (مشدتك أو شالك) احتراماً وتقديراً لهم, وللتخصص بين أبناء المنطقة حكاية مرتبطة بعدن, فقد هبط كثيرون أيام بريطانيا إلى عدن ومن الإنجليز و(البينيان) الهنود تعلموا حرفاً مختلفة, فأحمد عمر أبو التصوير تعلم المهنة عند البينيان, كان إذا وفد وافد جديد من أبناء القرية إلى عدن وصل إلى عند صاحبه, ولأن الناس كانوا بقيمهم الجميلة فكان عليك أن تهتم بالوافد الجديد وإلا عاتبك أهل قريتك, وعيب أن يقال فلان (مرضوح) أي بلا عمل, وأنت موجود!!, فعليك أن تدبر له عملاً أو تصرف عليه إلى أن يجده, وأسهل ما يمكن القيام به أن يشتغل لديك فتنقل إليه أسرار المهنة, ولذلك تجد منطقة الأعبوس تتخصص في التصوير, وبني شيبة بالمطاعم, ودبع بالتجارة وكذا الأغابرة والأعروق, وهكذا, وإلى مدن المحافظات تعز وصنعاء والحديدة وإب وفد الناس بمهنهم, وتعلم منهم أبناء هذه المحافظات ممن لم ينزلوا إلى عدن, فكان (الوسع) البنشري يجاور عبدالله الذبحاني صاحب بطاريات السيارات, وأشهر من بدأ بمحل للبطاريات سيف الخامري، الرجل الذي نحت الصخر وراء الرزق, وتبعه أبناء منطقته يتعلمون المهنة ويفتتحون المحال في كل أجزاء العاصمة, كما هم أبناء الصلو يشتهرون بمحال (الخمير), ولم تعد المهن مع انفتاح البلاد حكراً على أي منطقة، فاليمنيون جميعهم شرفاء أقصد هنا من يعرقون ويعملون,. أمرّ كل صباح أحيي صديقي محمد من أبناء بني مطر, ورشة اللحام التي يملكها ويديرها, عند تقاطع فندق شهران, شاب عصامي رائع, أنجز لمنزلي يوم بنيت أعمال الحديد, وصبر عليّ حتى سددته في الأخير, أظل أمازحه: يا محمد أين الآلي باعتبار أن أهل منطقته يحملون السلاح – ولا استنقص منهم – فيرد: هذا سلاحي ويشير إلى مفك الحديد الذي يحمله ليل نهار ويضيف: العمل شرف, وحين أسأل زميله العامل وأنت؟ يرد عليّ بلهجة أبناء بني مطر: واحنا العمل شرفنا, فأكتشف أنه مطري من الصلو!! أضحك: كيف يا محمد؟ - لقد تربى عندنا, ذكرني ذلك بالزميل العزيز عبدالودود المطري حين رافق محمود السعدني الكاتب المصري الساخر الشهير رحمه الله, التقى الرئيس بالسعدني وقدم عبدالودود نفسه, سأله الرئيس: منين من بني مطر؟ رد عبدالودود: من الراهدة, وكان كلما رآه مازحه: مطري من الراهدة!!, والبنشرة لها علاقة مباشرة بعمل (الجرشبل) معاون السائق وكثيرون تعلموا المهنة أيضاً من عملهم معاونين, حتى إذا انحسرت مهنة المعاون مع سفلتة الطرق ذهبوا لافتتاح محلات البنشرة, أنا تعبت من اللف بكم في دهاليزها. لكن أخلص إلى القول إن المهنة من أشرف المهن وممتهنوها محترمون, ولا بأس من الإشارة هنا إلى (بنشر التصحيح) فقد تحمس أحدهم حين أعلنت لجان التصحيح أيام الحمدي وكانت دكانته أمام اللجنة العليا للتصحيح مقر اللجنة الدائمة الآن فسمى محله تيمناً بالتصحيح ليأتي الأمن الوطني ويغلقه ويزج بالرجل في دار البشائر, بتهمة التآمر على التصحيح!!.. الآن.. فالذي يتعالى على ممتهني المهنة يعاني من عقد شخصية لا أقل ولا أكثر أما البناشرة فكل حبة عرق تجعلنا نقبل أيديهم احتراماً وتقديراً . [email protected]