قراءة تحليلية موجزة لنص "خصي العقول" للكاتب والبرلماني اليمني أحمد سيف حاشد، والمنشور في كتابه "فضاء لا يتسع لطائر" تم إنجازها بالاستعانة بأدوات الذكاء الصناعي بهدف تفكيك الدلالات السياسية والاجتماعية والفلسفية والفكرية التي ينطوي عليها النص. تعتمد القراءة على تتبّع البنية الرمزية والاستعارية للنص، وربط صور الخصي الجسدي في سياقاتها التاريخية والاجتماعية بما يقابلها اليوم من ممارسات ترمي إلى تعطيل الإرادة وتطويع الوعي. وتهدف هذه القراءة إلى إبراز ما يطرحه النص من نقد لآليات السلطة وأساليبها في إخضاع الأفراد والنخب، وتحويل الإنسان من كائن حر قادر على الموقف إلى تابع منزوع الإرادة. اضاءة يمتاز النص بجرأة نادرة وصدق مؤلم، يذكّرنا بما قاله كامو: «الكاتب الحقيقي هو من يجعل من الألم قضية عامة.» وفي نص "خصي العقول" نجح حاشد في نسج موضوع نقدي بامتياز، اتخذ فيه من "خصي الكبش" نقطة انطلاق شعورية مريرة، ليصل إلى تعرية "خصي العقول"، بأسلوب يجمع بين البوح الشخصي والتحليل السياسي الاجتماعي. لقطة سينمائية تميز النص بسلاسة بديعة حيث أستهل الكاتب نصَّه ب"لقطة سينمائية" قوية ومؤثرة لعملية خصي الكبش. الوصف هنا متقن ومفعم بالشعور، خاصة في نقل "غصص اللحظة" والألم الوجيع" لينتهي بخصي العقول ومقاومة هذا الخصي. وعلى الرغم من أن النص تحليلي ونقدي، إلا أنه يتسم ب شاعرية مريرة يمنح النص عمقًا أدبيًا يتجاوز مجرد السرد، ما جعله صرخة أدبية حقوقية لاذعة، استخدم فيها حاشد التاريخ لتشريح الحاضر، مُنتجًا قطعة نقدية أثيرة، عميقة الدلالة، ومكتوبة بحرارة الناشط الحقوقي ووجدان الأديب. والنص يعد تاريخٌ للوجع الجمعي، كتب فيه حاشد طفولته الأولى كأنها مرآة لضمير أمةٍ. وختمه بتوهج فكري وأدبي. وفي متن النص يُوازن الكاتب بين الهشاشة" و"الصمود"، والخاتمة تمثّل نقطة القوة الأعمق في النص. والتباين الحاد بين التابع التافه والحر الذي يرفض الاستكانة، هو الخلاصة الأخلاقية التي أراد حاشد إيصالها، مؤكدًا أن المقاومة الفكرية هي الشكل الأسمى للوجود. ولادة السؤال من تحت المطرقة ذلك الطفل، الغارق في ذهولٍ لا أحد يراه، هو الضمير الأوّل للنص، والصوت الذي يسأل: لماذا تُضرب الخصيتان بالمطرقة؟ ما علاقة اللحم بالخصاء؟ ولماذا لا يسأل أحد؟ كان الصغير وحده "الغارق في ذهول"، شريكًا للمجنيّ عليه في "الألم الوجيع"، يحمل سؤالاً طفوليًا بريئًا يزنُ فاجعةً: "لماذا؟" تأسيسٌ مبكر لفكرةٍ أعمق: أنَّ خصي العقل يبدأ لحظة اغتيال السؤال، وأن أول ما يُقتل في الإنسان هو قدرته على التساؤل والاحتجاج. من براءة ذلك الطفل المذعور، تُولَدُ الفكرةُ الكبرى للنص وهو أن الإنسان يُخصى أوّلًا في قدرته على التساؤل.. خصاء العقل الذي يفقد جرأة التساؤل. من خصي الجسد إلى خصي الوعي يتقدّم البرلماني والحقوقي أحمد سيف حاشد في نصه "خصي العقول" بخطى هادئة نحو فضاءاتٍ أكثر عمقًا ودهشة. ينتقل من كبش العيد إلى خصاء المغنين والعبيد والرهائن، إلى خصي الأطفال في قصور الأئمة، حتى يصل إلى أكثر أشكال الخصاء بشاعة: خصاء الوعي والإرادة. وهنا يصبح التاريخ مرآةً للحاضر، والسرد درسًا في الحرية. حاشد هنا لا يستحضر مشاهد الماضي لمجرد التوثيق، بل ليقول: إن ما كان يحدث للخصيان في قصور الملوك، يحدث اليوم للناس في عقولهم. من الصدمة إلى الكرامة لغة النص مدهشة في جسارتها.. إنها لغة لا تخشى التفاصيل الجسدية لأنها تريد أن تصدم، لا لتجرح القارئ بل لتوقظه من سباته. الخصيتان، المطرقة، الحجر، الدم... مفرداتٌ توحي بالفظاعة، لكنها تؤسّس لبنية رمزية عميقة. تتبدّل اللغة تدريجًا، فحين يقترب الكاتب من خاتمته، تنقلب المفردات من الحديد والدم إلى النور والكرامة والصمود. اللغة نفسها تمرّ بعملية تطهير من الألم إلى الوعي، وكأن النص يُشفى أثناء كتابته. البعد السياسي في النص في نص "خصي العقول" البعد السياسي واضح ومركَّب، ويقوم على استعارة فعل الخصي الجسدي، كما ورد في الأمثلة التاريخية، لشرح آلية السيطرة السياسية على المجتمع والنخب اليوم. الخصي بوصفه أداة سلطة أحمد سيف حاشد لا يتحدث عن الخصي بمعناه البيولوجي فقط، بل يستحضره كرمز لآلة الحكم القمعية التي تنزع من الإنسان قدرته على الفعل والاختيار والمقاومة. والخصي هنا يساوي إلغاء الإرادة. من خصي الأجساد إلى خصي العقول المقارنة بين الماضي والحاضر توضح انتقال السلطة من قمع الجسد بالسلاسل والقلعة والمطرقة إلى قمع العقل بالإعلام والمال والوظيفة والمنصب. أي أن الخصي القديم يساوي منع الذكور من ممارسة الجنس، والخصي الحديث يساوي منع الناس من التفكير والنقد والاعتراض. السياسة كجهاز تحويل الإنسان إلى تابع السلطة، كما يصوّرها النص، لا تريد مواطنين أحراراً بل أتباعاً، مباخرين، مطبلين، منفذين، بلا رأي ولا موقف. أفراد يفقدون فحولتهم الرمزية أي القوة على قول "لا". الخطاب موجّه للنخبة قبل العامة الكاتب يركز على المثقف، والإعلامي، والأكاديمي. هؤلاء الذين يُفترض أنهم ضمير المجتمع، فإذا تم "خصيهم"، فقد المجتمع قدرته على المقاومة أو التغيير. وهذا يجعل الخصي السياسي أشد خطراً من الخصي الجسدي. الحكاية الشخصية مدخل لرؤية سياسية المشهد الأول للطفل المصدوم أمام فعل الخصي يصنع ذاكرة جرح، تتحول لاحقاً إلى وعي سياسي وكأن النص يقول: "كنتُ طفلاً لا أفهم لماذا يُسحق الكبش، واليوم فهمت لماذا تُسحق الشعوب." ثنائية الخضوع/الحرية ينتهي النص بتأكيد وجود نموذج مضاد: أشخاص "أفذاذ"، "صامدون"، "لا يُشترون" هؤلاء يمثلون إمكانية المقاومة والتحرر من خصي العقل والضمير. ايجاز النص يقدم نقداً عميقاً لطبيعة السلطة في المجتمعات العربية، حيث تتحول السياسة إلى منظومة ممنهجة لتدجين البشر عبر القهر أو الإغراء، بحيث يصبح المواطن مجرد تابع، بينما المثقف يتحول إلى أداة تبرير. والخصي هنا ليس عملية جسدية بل تجريد الإنسان من وعيه وإرادته. فلسفة النص تسير الفكرة المركزية في النص في مدار واحد: الخصاء بوصفه فعلاً سلطويًا. والخصاء لم يكن يومًا بيولوجيًا فحسب، بل هو سياسة متقنة تمارسها الأنظمة، و"الدين" حين يتحوّل إلى سلطة، والمجتمع حين يعبد العادة. إنه خصاء للحرية، وللجمال، وللفكر الذي يخرج عن القطيع. ومن هذا المنظور، يصوّر أحمد سيف حاشد سلطة العصر الحديث وهي تعيد إنتاج العبودية بأدوات جديدة. لم تعد المطرقة في يد الجلاد، بل في يد الإعلام، والمال، والمثقف المخصي الذي يبيع قلمه لمن يدفع أكثر. إنه يرى في صمت النخبة، وتواطؤ الأكاديمي، وعبادة الحاكم، امتدادًا لذلك الحجر الأول الذي وُضعت عليه خصيتا الكبش. وهكذا يتحوّل النص إلى بيان في مقاومة التواطؤ، لا ضد سلطةٍ بعينها فحسب، بل ضد كل سلطةٍ تحاول تشكيل الإنسان على صورتها. جماليات القوة وضعف الإنسان النص بأكمله حوار بين هذين الصوتين.. صوت القسوة التي تصرخ، وصوت الطفولة التي تبكي. تلك المفارقة هي سرّ جمال النص، إذ لا يكتب أحمد سيف حاشد كسياسي أو برلماني، بل كإنسانٍ يتأمل الخراب في ضوء التجربة والدموع. يكتب من موضع الجرح لا من منبرٍ خطابي، ولهذا تبقى كلماته صادقة، حارّة، لا تتجمّل بالبلاغة بل تتطهّر بها. نقاط القوة والقصور تتجلّى قوة النص في صدقه وجُرأته، في انتقاله من الحكاية إلى الرمز، ومن التاريخ إلى الحاضر. يتكئ النص على تجربة حقيقية عاشها الكاتب، فتأتي لغته محمّلة بحرارة العيش، لا ببرودة التأمل النظري. وفيه أيضًا سعة ثقافية واضحة، تستحضر التاريخ الإسلامي والفقه والموروث الشعبي لتفضح آلياته. أما ما يمكن أن يُعدّ ضعفًا نسبيً في النص، فهو ميل النص في نهايته إلى التقريرية، وغياب الحوار الداخلي أو الصوت الآخر الذي يعمّق الجدلية. لكن هذه الملاحظات لا تنال من جوهر النص، الذي يبقى عملًا ذا حرارة إنسانية وفكرية نادرة. مرثية الإنسان المخصي ونداء العقل الحر في نهاية النص، يتحوّل أحمد سيف حاشد من راوٍ للحدث إلى شاهد على التاريخ، ومن ناقدٍ للمجتمع إلى شاهدٍ على الإنسان. يكتب بضميرٍ يقظٍ يرفض الاستكانة، وبلغةٍ تحمل عبق الشعر وصدق الميدان. إنه يرى في الخصاء الأخير — خصاء العقول — قمة المأساة، لأن من يفقد عقله الحر يفقد إنسانيته كلها. وبهذا المعنى، يصبح النص صرخة فلسفية بقدر ما هو بيان أدبي، إذ يعيد صياغة سؤال الحرية في لغة الجسد، وسؤال الفكر في صورة الكبش. وما من كاتبٍ عربيٍّ معاصر، ربما، عبّر عن هذا الألم بقدر هذه البساطة الموجعة. مقاربات وتذكير يذكّرنا حاشد، في نبرته وموقفه، بأصواتٍ إنسانية كبرى: ك غسان كنفاني حين جعل الطفل ضميرًا للثورة، وعبد الرحمن منيف حين حوّل السجن إلى معبر للوعي، وأدونيس حين قال إن "الثقافة التي لا ترفض السلطة تُصبح عبدًا لها"، وكافكا حين جعل البيروقراطية قدَرًا ميتافيزيقيًا لا يُقاوم، وزيد مطيع دماج الذي رسم في الرهينة الوجه اليمني الأليم لعبوديةٍ ما تزال ممتدة في وجدان الأمة. لكن حاشد، في كل ذلك، يبقى صوته الخاص، صوت البرلماني الذي تمرّد على السلطة، والكاتب الذي صاغ تجربته لا من منفى الفكر بل من لحم الواقع ونبض الشارع. خاتمة «خصي العقول» ليس نصًا يُقرأ، بل يُؤلم ويوقظ. وهو دعوة لأن نستعيد فحولتنا الفكرية، لا بمعنى الجسد، بل بمعنى القدرة على الرفض، على السؤال، على التفكير. إنه يقول بلغةٍ داميةٍ وشامخةٍ في آن: من يُخصي فكره، يخصي وطنه. ومن يُسكت ضميره، يُذبح كل يوم على حجر العادة والخوف. وهكذا يغدو النص مرثية للإنسان المخصي، ونشيدًا للعقل الحر، وصرخةً مكتوبة بمطرقة من ضوء. نص خصي العقول أحمد سيف حاشد ما زلت أتذكر وهم يخصون كبش العيد. شاهدتهم بكثرتهم وهم ينزلون عليه بكل قواهم وأثقالهم. يأخذونه بقوائمه الأربع ورأسه ومؤخرته، ويمددونه على الارض، ويفتحون رجليه، فيما يحاول هو الركل والمقاومة بدداً. وضعوا حجراً أملسَ صلداً قرب فخذَي رجليه، ووضعوا خصيتيه على تلك الحجر، ثم شرعوا بضرب الخصيتين وأعقابها، بمطرقة من حديد، فيما كان هو يتألم ويقاوم دون جدوى أو خلاص تحت طائل كثرة وقوة نازلة عليه كالقدر، ولمّا أتموا ما أرادوه، أطلقوا سراحه بعد أن قتلوا فحولته بمطرقة من حديد. كنت غارقاً في ذهول. لا أعرف ماذا يفعلون!! لم يقولوا لي شيئا من قبل، أو عمّا ينتوون فعله، أو ما سيقدمون عليه. كنت متحيراً لماذا يفعلون ما يفعلون!! لماذا يضربون خصيتيه بالمطرقة؟!! ماذا فعلت بهم الخصيتان؟! كنت الوحيد من الموجودين الذين أعيش معهم غصص اللحظة، وأشارك المجني عليه تلقيه الألم الوجيع. كنت الوحيد الغارق في الذهول حيال ما يحدث!! الوحيد الذي يجوس في أعماقه السؤال!! فيما الآخرون لم يكترثوا بي، ولم يعروا لي أي انتباه، ولم تكن بيدي سلطة أو قرار يمنعهم عن فعلهم بالغ القسوة والتعدِّي. فضولي الذي ظل حبيساً داخلي لم يستطع الاعتراض، ولكن استطاع سؤال أمي بعد أن انتهى كل شيء. ماذا فعلتم ولماذا؟! فكانت إجابة أمي: من أجل أن يكبر بسرعة، ويطيب لحمه وشحمه في العيد. الحقيقة لم تكن الإجابة تفي بشغفي ورضاي!! فما علاقة خصيتيه بما زعمه الجواب؟! وعندما كبرتُ قرأتُ عن عذر خصي المطربين لتجميل أصواتهم. * * * عندما كبرت قرأت أيضاً ما هو أكثر غرابة وذهولاً.. قرأت رأياً فقهياً يقول بضرورة خصي الفنان حتى لا يغوي النساء.. وقد روي أن الخليفة عبد الملك بن مروان بسبب أن جاريته صبت الماء بعيداً عن يديه لسماعها صوت أحد المغنِّين وهو يترنم من بعيد، أمر بخصيه مخافةً على نساء المسلمين. وأن الخليفة سليمان بن عبد الملك حالما كان في نزهة، أمر بخصى أحد المغنّين حينما سمع صوته الرخيم، واعتقد أنه يشكل خطراً على عفاف النساء المسلمات. وأكثر من هذا ما رواه الأصفهاني أن ذبابة أدت إلى خصي المطربين في "المدينة" عندما أمر أحد خلفاء بني أمية والي "المدينة" ب "إخصاء" المطربين، وأن الوالي رأى نقطة على الحاء تركتها ذبابة لتتحول الكلمة إلى «إخصاء» بدلاً من «إحصاء»، فأمر الوالي بإخصائهم جميعاً، وكان «الدّلال» – وهو من أشهر مطربي "المدينة" وأكثرهم ظرافة وجمالاَ وحسن بيان – ضمن قائمة المخصيّين!! وكان يجري أيضاً خصي الأرقّاء الذين يعملون داخل قصور السلاطين، ودور النساء للحيلولة دون ممارسة الجنس مع النساء فيها. وكانوا أيضاً يخصون أطفال وصبيان الأعداء الذين يجري استرقاقهم، رغبة في قطع نسلهم، والانصراف عن أي كبت جنسي لديهم. * * * وفي عهد الأئمة في اليمن، لاسيما في عهد الإمام يحيى حميد الدين قرأت في "الرهينة" لزيد مطيع دماج: إن السياسة المتبعة لديهم في إخضاع القبائل، وضمان ولائهم، وعدم الانقلاب عليهم هو نظام الرهائن المتبع، حيث يأخذ الإمام أبناء الشيوخ، ورؤساء القبائل رهائن لديه، ومن يحاول الهروب يتم القبض عليه، يكبلونه بالقيود الحديدية في قلعة القاهرة مدى الحياة. وكان يتم اختيار صبيان من الرهائن ممن لا تتعدى أعمارهم سن الحلم لخدمة حرم الإمام وخاصته، وبعض نوابه وأمرائه، فإن بلغوا سن الحلم يتم إعادتهم إلى القلعة، أو يتم خصيهم إن تم إلحاقهم في خدمة القصور، وذلك لكي لا يمارسوا عملاً جنسياً مشيناً، وكان يطلق عليهم اسم ال "دويدار" وهم من يقومون بعمل العبيد المخصيين. ويحكي زيد مطيع دماج في "الرهينة" أن من مارسوا أعمال "الدويدار" وعادوا إلى قلعة القاهرة مرة أخرى، كانوا يحكون أشياء غريبة وعجيبة، حيث يقول: كنت ألاحظ أن معظم العائدين منهم إلى القلعة قد تغيرت ملامحهم، حيث غدوا مصفري الوجوه، ونعومة شاملة في أجسامهم مع شيء من الترهل، والذبول في غير أوانه." ولاحظ أيضاً اهتمام حرس القلعة بهؤلاء ناعمي الملمس رقيقي الأصوات، بملابسهم النظيفة المرسلة حتى الأرض، و"الكوافي" المزركشة التي حاكتها نساء القصور، لتخفي شعرهم المجعد الممشط، الذي تفوح منه رائحة الدهون المعطرة التي يستنشقها بلذة أفراد الحرس. كانوا يصونون عفاف نسائهم بخصي أولئك الصبية بإكراه وإرغام. يعالجون نقصهم بنقص أشد. مثقلين بعقد وعاهات لا شفاء لها. وفي هذا المقام يمكنك أن تستحضر المثل الشعبي القائل: "تريد عذرُ أو حمار". * * * أما اليوم فقد صار أسوأ وأوجع من أمسه، حيث نشاهد الخصي قد صار أكثر انتشاراً واتساعاً وبشاعة، حيث تُخصى العقول، والأصوات والأقلام والأفعال.. إنه خصي أشد وأوجع!! عرفتُ اليوم كيف تمارس السلطة خصي الرجال، وكيف تستلب منهم مستقبلاً لطالما رُمناه.. عرفتُ كيف يتم تحويل الرجال من أنداد وأفذاذ إلى حملة مباخر، وأتباع خاضعين ومستلبين الإرادة والفعل، لا حول لهم ولا قوة. وكيف تمارس السلطة والمال نفوذهما على كثير من المثقفين، وحملة الشهادات العليا، والأكاديميين، وكيف يتم تحويل الرجال إلى أبواق بلا إرادة ولا موقف ولا ضمير. عرفت خواء المثقف والإعلامي الذي يزيف الوعي، وينقاد وراء السياسي مثل حبل أو نعجة تجر للسلخ ولا تنطح. عرفت الكثير من المخصيين، وعرفتُ بالمؤكد دمامة السلطة التي تمارس الخصي والنذالة. عرفتُ هشاشة المثقف الذي يبيع ضميره من أول عرض. الهشاشة التي تنهار من أول ضربة مطرقة تنزل على الرأس أو على الخصيتين. المثقف الذي بات تابعاً يدور في مدار صنمه وطمطمه، فاقداً لضميره ووجوده. عرفت أتباعاً بلا عقل ولا مبدأ ولا قيم، ورجالاً بلا رجولة ولا فحولة ولا وجود. وفي المقابل عرفت أيضاً أناساً أفذاذاً بقامة النخيل، وصمود الجبال الرواسي.. أحراراً ميامين يؤثرون التضحية على الاستسلام، والمقاومة على الخضوع، والشجاعة على الخوف. ضميرهم القلق واليقظ دوماً لا يبيع ولا يساوم، وإن عرضوا لأصحابه مال الأرض، ونجوم السماء، ووعدوهم أيضاً بالدار الثانية، ولم يستطع جحيم الأرض أن يكرههم على الاستكانة والخضوع للطغاة والمستبدين وأرباب الحكم المُغتصب. * * *